يعيدون إلى الأذهان «لحظة 68» القرن الماضي: من أمريكا إلى تونس.. الطلاّب ينتفضون من أجل فلسطين
دخلت التحرّكات الطلابية في الولايات المتحدة الامريكية أسبوعها الثاني احتجاجا على العدوان الصهيوني على عموم فلسطين وقطاع غزة بشكل خاص.
وقد اتسعت دائرة هذه الاحتجاجات التي بدأت في جامعة كولومبيا إلى عموم البلاد رغم القمع والاعتقالات المكثفه لحوالي 500 طالب، كما طالت الاعتداءات هيئات التدريس والاساتذة الذين انحازوا بدورهم لطلبتهم انتصارا للحق الانساني.
وتميزت الاحتجاجات بحركات رمزية جد مهمّة بيّنت صحوة الضمائر وكشفت المستور كما يقال، وفي الوقت الذي كان فيه الطلبة بمختلف أجناسهم وألوان بشرتهم ودياناتهم وأعراقهم يهتفون لفلسطين وللحق والحرية ويرسمون على الجدران الشعارات في هذا السياق وينصبون الخيام في حرمة مؤسساتهم الجامعية للتأكيد على ذهابهم في تحركهم الى أبعد الحدود، كانت الإدارة الامريكية تناور مع الصهاينة من أجل انقاذ الحكومة الفاشية والنازية في الكيان وإرغام المقاومة الفلسطينية على تقديم التنازلات..
ومرة اخرى، مارس الإعلام الامريكي والغربي عموما سياسة التضليل والتزييف والتشويه والحجب، وانحرف بتغطية الاحتجاجات الى زاوية فزاعة معاداة السامية وهي التهمة الجاهزة لكل من يتجرأ على فضح جرائم الابادة الصهيونية وسياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها الادارة الامريكية دون ان ننسى التواطؤ والصمت الرسمي العربي..
وهنا ايضا صمت طيف واسع مما يسمى المجتمع المدني الغربي والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان التي لم تقلقها الاعتداءات على الحريات الاكاديمية في رحاب أعرق وأهم الجامعات في العالم أين استباحت قوات الأمن حرمة المؤسسات واعتدت على الطلبة وأساتذتهم.
وقد تفاعل الطلبة في أكثر من نقطة في العالم مع هبّة الطلبة في أمريكا، بما في ذلك تونس التي خرج فيها الشباب أول أمس الاثنين 29 أفريل في مسيرات ووقفات احتجاجية في العاصمة فيما دخل عدد من الطلبة في اعتصام تضامني مفتوح في معهد الصحافة وعلوم الإخبار.
واللافت في تحرك الطلبة في أمريكا التي هي الراعية للكيان الصهيوني والمزودة له بالسلاح والداعمة السياسية الرئيسية له، أنه يرتقي في أهميته وتداعياته – دون مبالغة – الى ما شهدته الولايات المتحدة نفسها وخصوصا فرنسا قبل خمسة عقود ونيف عندما انتفضت الحركة الطلابية ذات ماي 1968، وكانت تلك «اللحظة الحاسمة» كما يُوصّفها المؤرخون وعلماء الاجتماع والسياسة مفصلية ومحددة في تحولات فارقة ليس في فرنسا لوحدها ولكن في الغرب بشكل عام، وقد وصلت الارتدادات الى مجتمعاتنا التي كانت مستعمرات سابقة لهذا الغرب.
لقد كانت الشرارة أواسط 1967 بالولايات المتحدة الامريكية بالذات «الديمقراطية الناشئة» على جماجم السكان الأصليين والمورطة أنذاك في الحرب على فيتنام والشريكة مع الكيان الصهيوني في الحرب على العرب والهزيمة النكراء لهؤلاء، شهدت تلك السنة اضطرابات عنصرية كبرى يخال البعض ان اسبابها انتفت اليوم لكن كثيرا من الوقائع تبرز عكس ذلك وها هي مواقع التواصل الاجتماعي على سبيل المثال تتداول بين الفينة والأخرى عمليات اعتداء صارخ على السود مثلا في كبرى الولايات الامريكية في الفضاء العام على مرأى ومسمع الجميع..
في غضون ذلك، تفاقمت الازمة الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية في فرنسا أيضا، وظهرت المجموعات اليسارية والفوضوية التي قررت الإجهاز على «السيستام» أي على المنظومة السائدة..
وبين 22 مارس و29 ماي 1968، ارتفع منسوب الاحتقان في فرنسا وبلغ الأمر ذروته باختفاء الرئيس شارل ديغول. أجل لقد خطف الرئيس وبان بالكاشف ان النظام القائم في بلاد الفرنجة كان على درجه كبرى من الهشاشة التي جعلته غير قادر على الصمود في وجه احتجاج جيل جديد من الشباب المتشبع بالقيم النقدية والحالم بالديمقراطية الحقيقية وبالحرية والمساواة.
لقد كانت حركة احتجاجية للنخبة التي يمثلها الطلبة والاساتذة الذين التحقوا بهم وانضم اليهم المثقفون والمبدعون والفنان في شتى المجالات وبدا الأمر كأنه يتعلق بثورة ثقافية سرعان ما بلغ صداها بقية دول العالم بما فيها بلادنا التي كان طيف واسع من الطلبة يدرس هناك ويتابع عن كثب مسار الاحتجاجات. ما أشبه اليوم بالبارحة، ها هم طلبة أمريكا، ولا ننسى أساتذتهم، يعيدون للجامعة التي هي منبر للمعرفة ومنارة للديمقراطية اعتبارها وبريقها ويطلعون العالم في المباشر على بشاعة ما يقترفه الكيان الصهيوني بدعم من دولتهم ليس في حق الفلسطيني فقط وإنما في حق الانسان.
ويدرك الجميع ان الشباب الطالبي فئة تمتلك من الجرأة وروح المغامرة والرفض والاحتجاج وحتى «العنف» الكثير، وهي لا تخضع لنفس القيود والاكراهات والمكبّلات التي تعيق مثلا موظفا أو رجل أعمال أو ربّ أسرة أو حتى عاطلا عن العمل عن الانخراط في الشأن العام والتضحية بالغالي والنفيس، ولنا في التاريخ ايضا ارقام ووقائع تبين مدى قدرة الطلبة على الصدام و«الموت» من أجل الهدف.
وخلافا أيضا للاحتجاجات التي تقوم بها بعض الفئات الهشة غير الواعية أو كذلك القطاعات المهنية التي تناضل للحساب الخاص، فان الطلبة متى انخرطوا في حراك احتجاجي عقدوا العزم على عدم التراجع الى الوراء علاوة على ان ما لديهم من ملكات فكر ونقد تؤهلهم للتغيير، قد لا يكون مباشرا في الوقت الحاضر لكنه سيبرز في المدى المتوسط وخاصة في المدى البعيد. ومن هذا المنطلق، وبكثير من الواقعية والتفاؤل في نفس الوقت، فإن العالم مقدم في تقديرنا على تغيّرات وتحوّلات مهمّة تؤسس لبداية نظام جديد، يقطع مع الراهن الذي ضقنا به ذرعا.
التشخيص والتوصيف متّفق عليه : كيف سيتمّ إنقاذ المؤسسات العموميّة؟
أشار وزير النقل رشيد عامري مطلع الأسبوع الجاري بأن برنامج مراجعة شاملة لشركة الخطوط التونس…