مع ازدياد خطورته: هل تكفي المعالجة الأمنية لوحدها لمعالجة ملف أفارقة جنوب الصحراء؟
يزداد ملف أفارقة جنوب الصحراء خطورة وتعقيدا، مع تواصل تدفق المهاجرين غير النظاميين من عديد الدول الافريقية على بلادنا بأعداد هامة وانتشارهم في مختلف الجهات والمناطق وتمركز عدد كبير منهم في صفاقس، باعتبارها نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين نحو أوروبا.
وآخر مستجد في هذا الملف هو قيام وحدات أمنية مشتركة بصفاقس أمس الأول بإخلاء عمارة كائنة بمنطقة حي النور بصفاقس الجنوبية، تأوي مئات المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء. وفي تصريح للقناة الوطنية الأولى كشف المتحدث باسم الادارة العامة للحرس الوطني حسام الدين الجبابلي أن اخلاء الوحدات الأمنية لهذه العمارة جاء إثر ورود تقارير صادرة عن الادارة الجهوية للصحة مفادها تردي شروط حفظ الصحة فيها، وخلال هذه العملية تم ايقاف عدد من المهاجرين غير النظاميين الذين تتعلق بهم العديد من القضايا ذات الصلة بالاتجار بالبشر واحتجاز رهائن وممارسات لا أخلاقية.
ومن جهته صرح وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بصفاقس 2 وناطقها الرسمي لوكالة تونس إفريقيا للأنباء بأن عملية إخلاء العمارة جاءت على خلفية تذمرات واردة من سكان منطقة حي النور ومن مالكي الشقق بسبب ما لاحظوه من تردّ لشروط حفظ الصحة بالعمارة. أما فاطمة المسدي النائبة عن جهة صفاقس بالبرلمان فقد اكدت من جهتها في تصريح إذاعي لها أمس وجود شبكة للاتجار بالبشر وعمليات مشبوهة تدور داخل العمارة التي تم الاستيلاء عليها من طرف المهاجرين غير الشرعيين، الذين عمدوا الى طرد التونسيين من المقيمين بعدد من الشقق واحتلوها بالكامل.
وعلى إثر عملية إخلاء العمارة بأحد أحياء مدينة صفاقس التقى رئيس الجمهورية قيس سعيد بوزير الداخلية كمال الفقي. وتم خلال هذا اللقاء حسب بلاغ لرئاسة الجمهورية التطرق للوضع الأمني العام بالبلاد وخاصة العمليات الأمنية المكثفة التي أمر بها الرئيس في عدد من المدن والأحياء لفرض احترام القانون وتفكيك كل الشبكات الإجرامية التي تحاول فضلا عن ارتكابها لأفعال يجرّمها القانون ترويع المواطنين وبث الفوضى في صفوفهم.
وعلاوة على امتنانه لقوات الامن على مجهوداتها لحفظ امن البلاد دعا رئيس الجمهورية الى البحث المعمّق وإحالة كل الملفات إلى القضاء وتحميل المسؤولية كاملة لكل الأطراف التي تقف وراء محاولات الاعتداء على أمن الدولة والمجتمع، ليؤكد على أن الدولة التونسية لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام كل من يحاول المساس بأمنها وبأمن مواطنيها.
ويجدر التذكير بأن عددا من معتمديات ولاية صفاقس والمناطق المحيطة بها، حيث غابات الزيتون انتصبت فيها مخيمات تأوي آلاف المهاجرين الافارقة الذين استقروا فيها في انتظار الفرصة المناسبة للإبحار خلسة باتجاه الشواطئ الإيطالية بشكل غير نظامي، والى حين توفر الفرصة لخوض رحلة الموت يحاول عدد هام من هؤلاء إيجاد فرصة للاستقرار المؤقت في بلادنا في حين خاض عدد آخر منهم غمار الأنشطة الإجرامية والاتجار في الممنوعات بمختلف أنواعها. كما أدت كثرة أعدادهم بالإضافة الى عدد من ممارساتهم التي يراها المواطنون التونسيون مستفزة لهم ومهددة لأمنهم الى اندلاع الكثير من الصدامات والاشتباكات العنيفة بينهم، وفي كل مرة يتدخل الامن لفضّها.
وبالتالي يؤكد واقع الحال ان بلادنا تعتمد كليا في معالجتها لملف تدفق أفارقة جنوب الصحراء على المقاربة الأمنية. وفي هذا الإطار أكد مصطفى عبد الكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الانسان في تصريح لـ«الصحافة اليوم» ان هذه المقاربة لوحدها بالإضافة الى أنها ستستنزف المجهودات الأمنية فإنها قد تسيئ لصورة بلادنا. كما اعتبر ان هذه المقاربة لن تمكّن لوحدها من حل هذه المشكلة التي تعمّقت أكثر فأكثر وزادت خطورتها على الامن القومي التونسي وعلى استقرار بلادنا التي تعيش بطبعها أوضاعا اقتصادية واجتماعية صعبة. ليضيف ان عدد المهاجرين الأفارقة غير النظاميين في كامل تونس اليوم يبلغ أكثر من 100 ألف مهاجر وهذا العدد مازال مرشحا للتزايد. ليتساءل في الآن نفسه عن كيفية وصول هؤلاء المهاجرين إلى داخل بلادنا عبر الحدود الجزائرية أو الليبية وهي حدود يفترض أنها محمية ومراقبة.
وعموما اقترح محدثنا انه علاوة على التعاطي الأمني مع مشكل تدفق الأفارقة في إطار الهجرة غير النظامية على بلادنا، لابد من معالجة هذا الملف بمقاربة تشاركية بين الدولة والمنظمات الدولية والمنظمات الوطنية والمجتمع المدني وكل الطيف السياسي في تونس. ويتم تشريك كل الأطراف في المساعدة والبحث عن الحلول، باعتبار ان هذه المشكلة التي تواجهها بلادنا تحتاج الى تكاتف كل الجهود. كما أكد محدثنا على أهمية العمل الديبلوماسي والسياسي مع الجارتين ليبيا والجزائر من اجل حماية أكبر للحدود معهما وتغيير المعادلة من حدود مفتوحة برّا ومغلقة بحرا، لان ذلك أدى الى تكاثر اعداد المهاجرين الافارقة غير النظاميين وما قد ينجم على ذلك من إشكاليات.
واعتبر عبد الكبير ان ملف أفارقة جنوب الصحراء وتدفقهم الكبير على تونس في علاقة كبيرة جدا بمسألة الامن القومي الذي يمثل مسؤولية الجميع وعلى الجميع المشاركة فيها والانخراط في ما يسهم في الحفاظ على امن الدولة. وبعيدا عن الاستراتيجيات والمقاربات غير الواضحة دعا الى بعث هيئة وطنية للتصرف في الهجرة واللجوء ووضع قانون وطني يمنع ان تكون بلادنا دولة إيواء. واليوم أكثر من أي وقت مضى يجب في تقدير محدثنا الإنصات الى صوت المجتمع المدني وما يقترحه من حلول في علاقة بهذا الملف خاصة وانه اثبت انه يمكن ان يكون قوة اقتراح للتصرف في ملف بهذه الخطورة على امن البلاد واستقرارها.
بعد أن كشفت زيارات الرئيس الميدانية تقصير المسؤولين الجهويين : العمل الميداني أصبح من ركائز عمل الولاّة
كشفت الزيارات الميدانية ذات الطابع الفجئي التي أداها رئيس الجمهورية قيس سعيّد الى مختلف ال…