هل هي ثورة الشباب في العالم ؟ هل هي صرخة نخب المستقبل التي ترفض الطغيان؟ هل نعيش اليوم أجواء ماي 68 والحراك الطلابي الذي قاده جون بول سارتر وهربرت ماركوز؟ وأين نحن العرب مما يحدث داخل اسوار الجامعات الغربية؟ هل يئس الشباب العربي على فقد الأمل هل تم تدجينه الى هذا الحد ؟
وماذا عن الجامعة التونسية لماذا هذا الاحتشام والحذر في تعاطيها مع القضية؟ ولماذا هناك تضارب صارخ بين إرادة سياسية ماضية قدما الى الأقصى في دعم الحق الفلسطيني وتعاط خجول ولا يكاد يذكر من الطلبة التونسيين في كل جامعاتنا مع ما يحدث؟
من ايرلندا الى جامعة كولمبيا الطلبة يتحركون يتظاهرون ويرفعون شعارات داعمة للحق الفلسطيني ومنددة بكل ما يحدث من حرب إبادة متواصلة بلا هوادة منذ حوالي سبعة اشهر على مرأى ومسمع من العالم تنقلها الكاميرات والسياسيون يستلذون عملية القتل الجماعي للفلسطينيين. مشاهد المقابر الجماعية التي عثر عليها سواء في مجمع الشفاء الطبي او في مستشفى ناصر تشهد بما لا يدع مجالا للشك على ما اقترفه مجرمو الحرب الذين يقودون انتقاما توراتيا ضد شعب أعزل يقاتل بأجساده آلة حربية شرسة ولا من مغيث.
صرخة الشباب في العالم صادحة وجسورة في وجه سادة العالم الذين استباحوا جميعا بطرائق مختلفة الدم الفلسطيني وينتظرون نزف الجرح الفلسطيني حتى آخر قطرة دم. فلا مفاوضات جدية ولا اعلان صارم لوقف الإبادة ولا دعم مادي او لوجستي. والفلسطينيون محاصرون قدرهم الموت قصفا او جوعا.
ولأن الشباب دوما هو ضمير الأمم فقد جاءت الصرخات من حرم الجامعة ومن قلب الولايات المتحدة الامريكية الداعم الأول للكيان المحتل الغاصب وكذلك من كثير من الجامعات الأوروبية وهي هبّة جماعية في وجه الطغيان الصهيوني والتواطؤ الدولي من حكام العالم.
وكان طبيعيا ان نتابع بذهول هذا الحراك الإنساني البديع الذي يعيد الينا الأمل في ان الإنسانية مازالت على قيد الحياة. وان المادية المتوحشة لم تقتل الحس التضامني العفوي بين البشر. ولان هذا الحراك جاء من الشباب الطلابي فإن الأمل اكبر في نخب مستقبلية مستنيرة ومصطفة خلف قيم العدل والحق والخير.
ونحن نتابع ما يحدث داخل اسوار الجامعات الغربية تطرح المقارنة نفسها بحدة مع ما يحدث عندنا وهذا ما يجعلنا في حالة ذهول يضاهي الصدمة. ولنتحدث هنا عن بلادنا ، فمعلوم لدى الجميع ان تونس كانت من أول البلدان الداعمة قولا واحدا ودون تلكؤ او تباطؤ او تنسيب للحق الفلسطيني التاريخي. ومعروف كذلك ان هذا التضامن كان مطلقا وليس بالكلام فقط فقد وضعت تونس كل امكانياتها على ذمة الأشقاء الفلسطينيين وفتحت المستشفيات لبعض الجرحى القادمين من قطاع غزة وأرسلت المساعدات وهذا ليس من قبيل المّن لا سمح الله بل فقط لتبيان التناقض بين الإرادة السياسية وضعف الحراك داخل الجامعة التونسية. فهناك فتور الى حد كبير ينبغي ان يستوقفنا ونحاول تفكيكه إن أمكن.
هنا سيقول قائل إن هناك عرائض جامعية تم امضاؤها وهناك رسائل تم توجيهها من قبل بعض الاكاديميين الى نظرائهم في جامعات غربية للتحسيس بخطورة الوضع في قطاع غزة وكلها مواقف محمودة نوّهنا بها في إبانها. الى جانب بعض الوقفات الطلابية التي تابعناها ولكنها لا تكفي ولا تتماهى مع الموقف التونسي الرسمي الذي مضى ابعد من ذلك كثيرا وهي دون المأمول صراحة وتعكس حالة ضمور للوعي السياسي والانتماء عموما وهو أمر تمت ملاحظته من خلال عزوف الشباب عن الفعل السياسي منذ عقدين تقريبا.
مع العلم ان الجامعة التونسية كانت دوما منارة ليس لصناعة المعرفة فقط بل كذلك مخبرا سياسيا كبيرا واغلب الفاعلين اليوم والموجودين في المشهد التونسي هم نتاج المخاض الذي عرفته الجامعة منذ أواخر الستينات مرورا بالسبعينات وحتى الثمانينات وبداية التسعينات.
واغلب الوجوه السياسية تربّت في مدارج الجامعات التونسية على فكرة الديموقراطية والنضال والحريات والعدالة ودعم قوى التحرر في كل مناطق العالم وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي كانت دوما هاجسا يحرك كل التونسيين سواء كانوا من النخب او من عموم الشعب الكريم.
ولا ننسى ان ذلك حدث في أوج النظام التسلّطي سواء كان في عهد الزعيم الحبيب بورقيبة او خلفه الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، فلم تتخل الجامعة عن دورها الريادي سياسيا رغم كل التضييق.
واليوم يحق لنا ان نطرح هذا السؤال عن موت السياسة في حرم الجامعة التونسية وعن سيادة منطق الخلاص الفردي والتفكير البراغماتي في صفوف الشباب الطلابي الذي لم يعد يكترث سوى بإرادة معيشه اليومي نظرا للكثير من العوامل وفي مقدمتها الحالة الاقتصادية الصعبة وغياب الحلم المشترك والرهانات المستقبلية الكبرى. هذا دون ان ننسى تراجع منسوب الوعي الجماعي بالقضايا الكبرى وتفشي الفردانية بشكل مقيت وهيمنة التسطيح في الفضاء العام.
اتّساقا مع الرهانات الوطنية والإقليمية والدولية : المضيّ بخطى ثابتة نحو أفق جديد
على الجميع ان يحثّ الخطى في الاتجاه الذي رسمه الشعب لبناء تاريخ جديد … هذه الجملة هي…