اليوم العالمي للصحة والسلامة المهنية : متى تلتفت الدولة الى ملف العمالة النسوية ؟
ماتزال شروط العمل اللائق مفقودة في العديد من القطاعات الاقتصادية خاصة في المؤسسات ذات الطاقة التشغيلية العالية وفي القطاع الفلاحي بشكل خاص الذي يعاني فيه العديد من العمال والعاملات من ظروف عمل متردية وبيئة غير آمنة وغير صحية وهو ما ينعكس سلبيا على مردوديتهم الانتاجية وعلى ازدهار هذه القطاعات وعلى السلم الاجتماعية مما ساهم في توتر مناخات العمل وزيادة المطلبية المشروعة من اجل تحسين ظروف العمل وتحقيق السلامة المهنية التي ظلت الى اليوم مجرد شعارات ترفع من مناسبة إلى أخرى لاسيما في ملف العمالة الفلاحية الذي ظل يراوح مكانه دون أدنى التزام لا من الدولة التي مازالت تتجاهل هذه المعاناة ولا من المشغلين الذين يستميتون في مزيد استغلال هذه السواعد التي جاهدت من أجل تحقيق امننا الغذائي إبان الشدائد.
وباعتبار ان ضمان صحة كل عامل وعاملة مبدأ أساسي في العمل فقد وقع الاختيار هذه السنة على شعار « صحتي حقي» للاحتفال باليوم العالمي للصحة والسلامة المهنية الذي اعتمدته منظمة العمل الدولية منذ سنة 2003 والذي تحتفل به تونس كغيرها من باقي دول العالم في الثامن والعشرين من شهر أفريل من كل سنة تأكيدا منها على الانخراط الكامل لها في الدفاع عن الحقوق الأساسية للعمل والتزامها بالتشريعات الدولية، التي صادقت عليها ممثلة في اتفاقية العمل الدولية رقم 187 بشأن الإطار الترويجي للسلامة والصحة المهنيتين، كما تسعى إلى المصادقة على الاتفاقيتين رقم 155 بشأن السلامة والصحة المهنيتين وبيئة العمل و161 بشأن خدمات الصحة المهنية.
ويأتي احتفال هذه السنة وكغيره من السنوات الماضية وسط ظروف عمل متردية تعاني منها العمالة النسوية في القطاع الفلاحي بسبب حالات الموت البطيء الذي ينجر عن الاصابة بأمراض مختلفة تعانيها العاملات جراء تعرضهن مباشرة للأدوية والمبيدات وغياب تدابير الصحة والسلامة المهنية والانعدام الكلي للتفقد والمتابعة من قبل الهياكل المعنية دون أن يفوتنا في هذا الجانب الحديث عن اكبر معضلة تعاني منها النساء الفلاحيات الا وهي النقل غير الآمن الذي اودى بحياة الكثيرات منهن .
ويشير في الصدد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في بيان له أصدرها بهذه المناسبة أن تاريخ هذا الاحتفال يحمل بين طياته رمزية معنوية حيث ربطته الحركة النقابية في العالم، منذ 1996، بذكرى ضحايا الحوادث والأمراض المهنية وهو يوافق ايضا في تونس ذكرى أكبر فاجعة في تاريخ البلاد في حوادث نقل العاملات والعملة في القطاع الفلاحي، فاجعة السبالة التي جدّت يوم 27 افريل 2019 والتي هزّت المجتمع التونسي واربكت السلطة وكشفت الستار عن حجم الانتهاكات التي تطال العمالة في القطاع الفلاحي وعن عمق الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية لهذه الفئة ،مبينا بان هذه الحادثة لم تكن الاخيرة للأسف ولم يتوقف بعدها نزيف الحوادث و ذلك نتيجة للقرارات الصادرة عن الحكومة آنذاك والقوانين التي سنّها المشرّع في تلك الفترة التي كانت مرتجلة وعشوائية وغير مدروسة وبأياد مرتعشة مؤكدا أن الدولة التونسية مازالت تتجاهل النداءات المطالبة بإنقاذ القطاع الفلاحي وهيكلته وحماية اليد العاملة فيه باعتبارها ثروة بشرية هامة وركيزة من ركائز ديمومته وصموده.
وأوضح المنتدى من خلال العديد من الشهادات والتحقيقات الميدانية التي قام بها مع العديد من العاملات في القطاع الفلاحي ان الحوادث التي تتعرض لها العمالة الفلاحية في تونس لا تنحصر فقط في حوادث الشاحنات، بل تتنوع التهديدات المحدقة باليد العاملة، التي في غالبيتها الساحقة يد عاملة نسائية، لتصل الى الموت اثناء العمل جراء السقوط في الابار أو السقوط من اعلى الشجر أو الصدمات الكهربائية أو انقلاب الجرارات، مذكرا في الصدد بوفاة عاملة في معتمدية فرنانة من ولاية جندوبة ابتلعتها آلة حصاد يوم 29 جوان 2022 وسقوط عاملة اخرى في السرس من ولاية الكاف في جابية يوم 07 ديسمبر 2022 كانت بصدد تشغيل مضخة السقي فتوفيت على عين المكان.
ورغم ان «الحق في الصحة للجميع» وفق المنتدى يحظى بالاعتراف في الدساتير الاربعة التي عرفتها بلادنا كما ان عدة فصول من مجلة الشغل تكفل هذا الحق وتنص على ضرورة حماية صحة وسلامة العملة في القطاع الفلاحي على غرار كل القطاعات الأخرى الى جانب ما جاءت به الاتفاقية المشتركة الاطارية في القطاع الفلاحي من احكام الا ان فئة النساء العاملات في القطاع الفلاحي لم تستفد من خدمات الصحة الاساسية ولا تحظى باي آلية من آليات الحماية والوقاية من الحوادث المهنية نظرا لهشاشة الوضعية الشغلية من جهة ولغياب الرقابة والتفقد من جهة أخرى إضافة الى التراخي في تطبيق القانون داعيا إلى ضرورة تطوير المنظومة القانونية وتحسينها بما يتلاءم مع الواقع ومع بنية القطاع الى جانب ضرورة إرساء نظام تفقد لضمان الامتثال للقوانين واستكمال المنظومة القانونية بالمصادقة على الاتفاقيات العالقة على غرار الاتفاقية عدد 129 لمنظمة العمل الدولية المتعلقة بالتفقد في القطاع الفلاحي مؤكدا ان انجاح أنظمة الصحة والسلامة المهنية وفاعليتها يستوجب الحد الادنى من الالتزام لدى المشغلين بتطبيقها وتوفر الوعي لدى العملة والعاملات بأهميتها وبضرورة المطالبة بها.
وتشير تقارير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية ان نسبة 92 % من العاملات في القطاع الفلاحي أجورهن لا تتجاوز الأجر الأدنى الفلاحي المضمون ولا يتمتعن بالتغطية الاجتماعية و80 % منهنّ يتنقلن بواسطة شاحنات الموت و62 % من العاملات لا توجد بينهن وبين مشغلهن أيّ علاقة (الوسيط هو المتحكم . و67 % من العاملات يعتبرن الدولة هي المسؤولة عن الحوادث.
ويعكس الواقع الاجتماعي والاقتصادي للعمالة الفلاحية النسائية عنفا مركبا بكل تمظهراته من ضعف في الاجر وغياب للتغطية الاجتماعية والصحية وعدم اعتراف وغياب للرقابة على المشغلين واستفحال لظاهرة الوساطة وتغول للوسطاء ينضاف اليه واقع التنمية في الجهات وهشاشة العمل في القطاع الفلاحي وغياب الهيكلة، زيادة على وضعية البنية التحتية وحالة الطرقات والمسالك الفلاحية غير المعبدة والتي تتجاوز 50 % في بعض الولايات كالقيروان.
التطورات الجديدة في ملف الأعوان المتعاقدين بوزارة التربية : هل هي بداية الانفراج للقطع النهائي مع آليات التشغيل الهش؟
بعد سنوات طويلة من النضالات المتواصلة من أجل حلحلة ملفهم الذي ظل يراوح مكانه بسبب عدم تجا…