كشفتها أيضا الأحداث في العامرة وجبنيانة من ولاية صفاقس : الحاجة ملحّة لسدّ الشغورات في مفاصل الدولة
مرة أخرى تسرق أوضاع المهاجرين غير النظاميين في بلادنا الأضواء وتهمّش أحداثا ووقائع أُريد لها ان تكون فارقة ومؤثرة محليا وإقليميا كالقمة الثلاثية التي احتضنتها بلادنا وجمعت مطلع الأسبوع الجاري رؤساء تونس والجزائر وليبيا، أو قبل ذلك زيارة رئيسة الحكومة الايطالية التي أثمرت دعما مباشرا لميزانية الدولة التونسية.
في المقابل، لا حديث في الإعلام الخارجي وبعض الإعلام الداخلي سوى عن المهاجرين غير النظاميين المقيمين في ربوعنا والقادمين من دول جنوب الصحراء عبر البوابتين الليبية والجزائرية للأسف، بما أننا لا نملك حدودا مشتركة مع بقية الدول المعنية بهذه الظاهرة التي تؤرق الجميع.
أول أمس الثلاثاء 23 أفريل 2024 أقدمت قوات الأمن التونسية على تفكيك مخيمات مؤقتة لمهاجرين غير نظاميين بمعتمديتي العامرة وجبنيانة من ولاية صفاقس، وكشفت الصور ومقاطع الفيديو المسجلة هناك والمتداولة في الفضاء الافتراضي حجم الكارثة التي حلّت ببلادنا التي هي كما قال رئيس الجمهورية على غرار هؤلاء المهاجرين ضحية سياسات وضعية تاريخ وجغرافيا معكوسة.
ولعل أفظع ما انكشف أمس وجود مقابر، أجل مقابر عشوائية لمهاجرين غير نظاميين كانوا يعيشون في المخيمات عنوة رغم رفض أصحابها، ولمّا وافتهم المنية لم يجد مرافقوهم من حل سوى دفنهم في هذه الأرض المستباحة..
وقبل أيام تداول البعض أرقاما تؤشر الى تكاثر الولادات في صفوف المهاجرين غير النظاميين في الولايات ذاتها.. هذه المعطيات تطرح إشكالات عدة، انسانية، اخلاقية، قانونية، حقوقية واجتماعية في علاقة بحقوق هؤلاء المهاجرين غير النظاميين الذين جاؤوا الى تونس بحثا عن الجنة أو القفز إليها بحرا تماما مثل أبنائنا الذين يغامرون بـ «الحرقة» بحثا عن الجنة في شمال المتوسط، وهم يصلون الى داخل الجمهورية بعد قطع مسافات طويلة تستوجب ردهات زمنية طويلة ايضا واستقرارهم وتجمعهم في معتمدية العامرة مثلا أو معتمدية جبنيانة لم يتم بين عشية وضحاها بل ان نصب الخيام والتمركز والتكاثر والعيش والعمل والمرض والموت ودفن الموتى يستوجب نظريا بعض الوقت فأين كانت السلط المحلية والجهوية والمركزية من كل هذه التفاصيل حتى نجد أنفسنا أمام أمر واقع معقّد وخطير.
لقد زار رئيس الجمهورية ولاية صفاقس قبل اشهر وقامت الدنيا ولم تقعد حول وجود اشقائنا الافارقة من دول جنوب الصحراء في هذه الجهة ورغبتهم في التغيير الديموغرافي، ثم هدأت بعد ذلك العاصفة وها هي تعود باكثر قوة فأين الحلقة المفقودة؟.
ببساطة ثمّة أسباب كثيرة لكن أبرزها في تقديرنا هذه الشغورات في مناصب عليا في مفاصل الدولة. إن ولاية بحجم صفاقس وغيرها من الولايات وعلى رأسها العاصمة تظل لأشهر دون مسؤول أول أي دون وال أمر يدعو للاستغراب.
ان الوالي وفق القانون الإداري والأعراف الجاري بها العمل في تونس كان عبر التاريخ همزه الوصل بين العمد والمعتمديات والمركز فوجود هذا المسؤول على رأس ولاية صفاقس مثلا كان بالإمكان ان يفتح قنوات الاتصال والمبادرة بين الجهة والعاصمة أين توجد وزارة الداخلية وغيرها من الوزارات المعنية بشكل أو بآخر بموضوع الهجرة غير النظامية والمقيمين خارج القانون ببلادنا. كيف يفسر المعتمد اليوم ـ في العامرة أو جبنيانة ـ وجود المخيم والمقبرة وهل بمقدور المعتمد ان يتواصل مع الوزير في العاصمة مباشرة وهل بمقدور الوزير نفسه ان يبادر بالتحرك في الميدان لمعالجة ملف لن تكون تداعياته سهلة على تونس في غياب مسؤول جهوي.
ولا تقف الشغورات عند الولاة الذين يحوم عددهم حول ثمانية في ولايات تونس وصفاقس والكاف وقابس وباجة والقيروان والمنستير والمهدية، بل هي تمس المعتمدين والعمد وعددا من الشركات والمؤسسات العمومية وحتى الهيئات المستقلة والمنتخبة دون ان ننسى وزارتي الثقافة والنقل اللتين تخضعان بالنيابة لإشراف وزارة التعليم العالي بالنسبة للأولى والتجهيز بالنسبة للثانية فالى هذا الحد نجح التعليم العالي والتجهيز حتى نثقل كاهل من يهتم بهما بالثقافة والنقل.
هي أسئلة مشروعة نطرحها من باب الحرص على التقليل من الخسائر في الوقت الحاضر بما أن كل ما ينجر عن غياب الرجل المناسب في المكان المناسب يضر بالمصلحة العليا للوطن ويغرقه في مطبات نحن في غنى عنها.
التشخيص والتوصيف متّفق عليه : كيف سيتمّ إنقاذ المؤسسات العموميّة؟
أشار وزير النقل رشيد عامري مطلع الأسبوع الجاري بأن برنامج مراجعة شاملة لشركة الخطوط التونس…