انطلاق العروض التّجارية لفيلم «فوفعة» للسينمائي التونسي «ابراهيم اللّطيف» : كوميديا الأقنعة والدّعاية الزّائفة
بمناسبة انطلاق العرض التجاري لفيلم «فوفعة» للمخرج التونسي «ابراهيم اللّطيف» انتظم صبيحة الثلاثاء 16 أفريل عرض خاصّ للشريط بقاعة الطاهر شريعة بمدينة الثقافة حضره عدد من ممثّلي وسائل الإعلام الوطنية والمراسلين والمدوّنين والمشتغلين بصحافة «الهواتف الذّكية» إضافة إلى بعض أبطال الفيلم (فاطمة بن سعيدان، توفيق العايب، والشاذلي العرفاوي).
يمتدّ الفيلم على 80 دقيقة وهو امتداد من حيث التوجّه العام لأفلام «ابراهيم اللّطيف» السابقة منذ شريطه الأوّل «فيزا» وأفلامه الطويلة «سيني تشيتا» و»هزّ يا وزّ» و«بورتو فارينا» في نزوعها لكتابة كوميدية اجتماعية نقدية ساخرة تخلط بين الواقعي والعجائبي سواء على صعيد الوقائع التي تتسلّل إليها الخرافات والأساطير اليومية أو من حيث الأسلوب الذي كثيرا ما يميل إلى رسم لوحات سوريالية مليئة بالألوان والرموز الخاصّة بالبيئة التونسية.
في انتظارأكلة «الملوخية»
ومثل حكاية يومية تونسية بسيطة يروي الفيلم وقائع ما جرى خلال سهرة عشاء مريبة نظّمتها «حسيبة» (قامت بالدّور فاطمة بن سعيدان») صحبة أخيها» حسيب» (قام بالدّور «توفيق العايب») لمجموعة من الرّجال والنساء الذين يبحثون عن فرص التقاء وتعارف. وفي انتظار أن تجهز أكلة «الملوخية» و«تقرّ زيتها» بالعبارة التونسية المحلّية الدّارجة و(وهي زمن الأحداث) يتعرّف الجمهور على نوايا الأخوين المادّية الخالصة من وراء هذا العشاء الذي تطمع «حسيبة» في أن يكون بداية سلسلة من اللّقاءات والسهرات التي يمكن أن تدرّ عليها أموالا كافية لسداد ديونها وديون أخيها العائد من فرنسا وفي أثناء التعارف بين الضيوف نتابع معهم عبر شاشة التلفزة أخبار العاصفة/الإعصار الذي يضرب تونس وذلك في تغطية مباشرة يقوم بها صحفي القناة الحكومية(قام بالدّور»محمد حسين قريع») من مواقع مختلفة من العاصمة.وبالتوازي مع الضّغط الذي يتعرّض له المراسل حتّى يظهر العاصفة/الإعصار كحدث مثير للإعجاب والافتخار ومادّة للدّعاية الإيديولوجية للسّلطة باعتبار تونس أوّل بلد عربي وإفريقي يكون له حظّ استقبال اعصار كبير على غرار البلدان المتقدّمة تضغط حسيبة على أخيها «حسيب» حتّى لا يفسد خطّتها في استدراج الضيوف للتلاقي والتقارب العاطفي والجسدي وما سيترتّب عنه من دفع أموال لهما.
تقوم كلّ شخصيات الفيلم على ثنائية الوجه والقناع/الظاهر والباطن/المنطوق والمسكوت عنه. فالمراسل الصحفي غير راض عن الصّورة الكاذبة التي يراد له أن ينقلها للجمهور عن الإعصار فمظاهر الفقر وتخلّف البنية التحتية والبطالة لا تخطئها العين وهو بدوره ما يزال في وضعية شغلية هشّة وفي مسؤوليته والدته العاجزة. وإذ تظهر السيّدة»حسيبة» أنّها امرأة طيبة متعاونة وتسعى في الخير للناس فإنّها في الحقيقة امرأة متحيّلة تستغلّ من يقصدها وتبتزّه مادّيا بلا شفقة وهو سلوك لا يعارضها فيه أخاها سوى من حيث الشكل فهو مستعجل لبيع البيت وفضّ كلّ مشاكله المادّية ولا تهمّه سوى الأموال وممّا يبرز حجم الانحدار الأخلاقي لهذه العائلة تورّط ابنة «حسيبة» في السّرقة وانحرافها السّلوكي الظاهر.
حفلة «نزع الأقنعة»
وكما في حفلات بعض فئات البورجوازية المتصنّعة تبدأ كلّ شخصية في نزع قناعها فإذا السيّدة التي ادّعت أنّها طبيبة توليد (قامت بالدّور»أميرة درويش») مجرّد متحيّلة متورّطة في قضايا تحيل متشابكة في الخليج وإذ الشاب الذي زعم بأنّه إطار ديواني هو «شرطي»(قام بالدّور» الشاذلي العرفاوي») متقاعد وفاسد متورّط في شبكات انحراف وابتزاز وهو على علم بالهويات الحقيقية للضيوف الذين تمّ استدراجهم.
تجري أحداث الفيلم بين الفضاء الدّاخلي للبيت حيث تتلاقى عيون الضيوف وتعقد الصفقات وتخاط الحيل العاطفية والمادّية وبين ما يجري في الخارج عبر ما ينقله المراسل الصحفي بأسلوب كاريكاتوري ساخر أظهر حجم التناقض بين الدّعاية الرّسمية وحقيقة أوضاع الناس.
وبين ما يجري داخل المنزل وما يحصل خارجه تتناثر الأوراق وتمتلئ الطرقات بما تخلّفه العاصفة من أوساخ وفضلات وتتعرّى المدينة وتفتضح حقيقة الشخصيات مع نزع أقنعتها وظهور ابنة «حسيبة» المتورّطة في سرقة قطعة مجوهرات ثمينة من احدى المطربات يتضّح في نهاية الفيلم أنّها قطعة مزيّفة وغير حقيقة لكنّها كشفت حقيقية هذه العصابة ومعدن هؤلاء النّاس.
على سبيل الخاتمة
في شريط «فوفعة»يثّبت «ابراهيم اللّطيف» توجّهه السينمائي في انشاء كوميديا اجتماعية شعبية ساخرة في أشكال ومناخات تونسية بفضاءاتها وألوانها وروائحها وأكلاتها وملامح شخصياتها وهو إلى جانب»فريد بوغدير» و»المنصف ذويب» من المخرجين التونسيين الذين يحبّذون هذا التوجّه من أجل إخراج السينما التونسية من مغالق الذاتية والإيديولوجيا والذكريات الشخصية التي كثيرا ما ميّزت ما عرف عندنا بسينما المؤلّف . كل التوفيق لهذ الفيلم الذي خرج للقاعات بتونس العاصمة وخارجها وهنيئا للسينما التونسية بهذا المولود الجديد.
من عروض المسرح التونسي في المهرجانات الصيفية: “رقصة سماء” للطاهر عيسى بالعربي: عندما يخترق الحب الأزمنة والحدود
من بين الأعمال المسرحية التونسية الجديدة التي قدّمت على أركاح المهرجانات الصيفية ومنها مهر…