2024-04-23

الاجتماع التشاوري الأول بين تونس والجزائر وليبيا : نحو تجسير الفجوة  ودعم التعاون البناّء

كما لعبت تونس تاريخيا دورا محوريا في تحفيز  العلاقات بين مكونات الكيان المغاربي وارتبطت بوشائج قربى عميقة  ممتدة شرقا وغربا في هذا المجال الجغرافي المهم تسعى اليوم أيضا ان تلعب دورا مركزيا في إحياء هذا البناء الذي عرف مدّا وجزرا على امتداد تاريخه والى اليوم.

والأكيد ان الخيارات الاقتصادية والسياسية وتضارب المصالح والتحالفات الخارجية كانت ابرز العوامل المعرقلة لبناء مغرب عربي كبير موحّد وعتيد.

نقول هذا وتونس تحتضن  لقاء تشاوريا  دعا  اليه   رئيس الجمهورية قيس سعيد .  وشملت الدعوة كلاّ من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ورئيس المجلس الرئاسي بليبيا محمد يونس المنفي وذلك يوم أمس 22 افريل الجاري.

ويعد هذا اللقاء الأول من نوعه بعد ان تم الإعلان من مناسبة سابقة على مبادرة للتنسيق بين البلدان الثلاثة.

والأكيد ان هذا اللقاء له أهمية قصوى سواء للتنسيق الأمني بين تونس والجزائر وليبيا خاصة مع تفاقم ظاهرة الهجرة السرية وتداعياتها الخطيرة وبالنظر أيضا الأوضاع الإقليمية المشتعلة والتي من المهم تنسيق المواقف بشأنها. او كذلك لدعم العلاقات الاقتصادية البينية التي ماتزال بحاجة الى التحفيز من اجل تعاون اقتصادي مثمر واكثر نجاعة.

لكن وعلى أهمية هذا اللقاء التشاوري فإننا لا نستطيع ان نغفل عن قضايا مهمة متصلة بالتعاون بين البلدان الثلاثة في المقام الأول وباتحاد المغرب العربي كمؤسسة في المقام الثاني.

وهنا علينا الإقرار بحقيقة موضوعية وهي ان التعاون الاقتصادي ما يزال دون المأمول بيننا وبين البلدين الجارين الشقيقين.

فعلى سبيل المثال لا نجد فضاءات للتبادل التجاري الحرّ على الحدود أي في الجنوب الشرقي مع ليبيا وفي منطقتنا الغربية شمالا وجنوبا ووسطا مع الجزائر.

وما يزال أبناء تونس خاصة من الشباب يلقون بأنفسهم في عرض البحر بحثا عن فرص عمل يتهافتون عليها في الضفة الشمالية للمتوسط ولكنهم لا يجدون هذه الفرص في البلدين الجارين رغم المقدرات الطبيعية التي يمتلكانها والتي من المفروض انها تحفز الرغبة في الهجرة اليهما.

وقد تابعنا على سبيل الذكر في الآونة الأخيرة  تزايد الطلب في ليبيا على العمالة التونسية  وتراجع ملحوظ لعدد الراغبين في العمل في هذا البلد الشقيق وربما يفسر ذلك بدواعي امنية وغياب الاستقرار السياسي. وهذا من الملفات الحارقة اليوم التي يمكن ان تكون موضوعا للحديث الجاد بين قادة البلدان الثلاثة.

كما ان هناك أيضا غيابا لمشاريع استثمارية عملاقة في مجال الطاقة مثلا يمكن ان تجمع البلدان الثلاثة وتكون الفائدة الجمّة للجميع وهنا يمكن المراهنة على الكفاءات التونسية من قبل الأشقاء الذين يمتلكون موارد طبيعية كبيرة. مع العلم ان هناك مدنا يمكن ان تكون نموذجية للتعاون والاستثمار فيها مثل ساقية سيدي يوسف من ولاية الكاف نظرا لمكانتها الرمزية والتاريخية التوحيدية لتونس والجزائر والتي اقتصر احياء ذكرى شهدائها على محفل موسمي يتكرر كل سنة دون ان يكون محفزا للتعاون والتنمية بين البلدين.

وهذا مجال تساؤل كبير عن العلاقات البينية.

والحقيقة لا نستطيع ان نتحدث عن بناء مغاربي عتيد دون وجود كل الأطراف فاعلة وداعمة وموحّدة ومنسجمة وهذا ما لايبدو متاحا وممكنا في الوقت الراهن لكن لابد من الاشتغال عليه من اجل رأب الصدع وتجسير الفجوة بين كل البلدان.

ففي سياق إقليمي ملتهب وظرف عالمي متقلب من المهم ان يكون تكتل المغرب العربي الكبير متناغما وفاعلا خاصة وانه من اعرق واهم التكتلات العالمية بل هو سابق للاتحاد الأوروبي على سبيل المثال لا الحصر والروابط أكثر وثوقا ورسوخا بين الشعوب منها في كيانات أخرى نجحت في ان تمضي بعيدا.

وإذا كانت الاختلافات السياسية قد قادت الى حالة الفتور والجفاء الخالية بين بعض البلدان الأعضاء في المغرب العربي واذا كانت الاختيارات على مستوى التحالفات الإقليمية والدولية متضاربة أحيانا فإن هذا لا يجعلنا نغفل عن معطيات مهمة تقتضي البراغماتية التيقظ لها وهي مصالح شعوب المغرب العربي في الانتماء الى كيان قوي وموحد اقتصاديا في المقام الأول من اجل تحقيق التنمية والرفاه للجميع.

ولعل تونس مؤهلة لاعتبارات كثيرة ان تلعب دور الرابط والوسيط من اجل انقاذ ما يمكن إنقاذه وتجاوز حالة الجفاء ولا ضير ان تكون هذه اللقاءات التشاورية الثلاثة منطلقا لما هو أهم وأشمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

التشغيل في تونس : «أم المعارك» التي لا بدّ من خوضها

لا شك ان احد الرهانات المطروحة على تونس اليوم هو التشغيل بكل ما يعنيه هذا الملف من تعقيد  …