امام جلسة العدالة الانتقالية: ملف الفساد المالي والاداري بوكالة الاتصال الخارجي
ستنظر هيئة الدائرة الجنائية المختصة في النظر في قضايا العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بتونس في ملف الفساد في وكالة الاتصال الخارجي زمن بن علي والتي شملت الابحاث فيه مدراء سابقين للوكالة بوصفهم فاعلين أصليين بالإضافة إلى عشرات الكتاب، والإعلاميين، وأصحاب المؤسسات الإعلامية الوطنية ممن أثبتت أعمال التحري صلب الهيئة انتفاعهم بهذه الامتيازات دون وجه حق، بصفتهم مشاركين في انتهاكات الفساد المالي.
وكان منطلق الابحاث في ملف القضية اثر تقرير تفقد الوكالة الصادر عن الرقابة العامة للمصالح العمومية في ماي2011، حيث كشف عن تجاوزات في المؤسسة العمومية التي أنشئت من أجل «الترويج لصورة تونس بالخارج» إلا أنها لم تكن إلا مكتب اتصال خاص يسيره بن علي رأسًا ويصدر التعليمات بشأن أدق تفاصيله.
وكانت هيئة الحقيقة والكرامة عرضت خلال جلسة استماع علنية شريطا وثائقيا كشفت في جزء منه عن ممارسات وكالة الاتصال الخارجي في «شراء ذمم» الاعلاميين في تونس وخارجها، وعن طريقة توزيع أموال الدعم التي تخضع بالأساس الى مقياس «درجة تشويه المعارضين السياسيين».
ما هي وكالة الاتصال الخارجي؟
أنشئت وكالة الاتصال الخارجي عام 1990 وأوكلت اليها مهام التعريف بالسياسة التونسية في الخارج، وكان بن علي ووزير الاعلام آنذاك عبد الوهاب عبد الله يشرفان على تسييرها واعطاء أوامر بتقديم حوافز مالية وهدايا لصحافيين ومؤسسات اعلامية دون أخرى، وفقا لما جاء في الفيلم الوثائقي.
وكالة الاتصال الخارجي..
وكالة الاتصال الخارجي هي مؤسسة عمومية ذات طابع تجاري، تتمتع بالشخصية المدنية والاستقلالية المالية، أسست في 7 أوت 1990، بهدف تعزيز الحضور التونسي وسياسة الدولة التونسية في الإعلام الخارجي والدولي وذلك في كل الميادين.
بعد ذلك، جعل منها عبد الوهاب عبد الله، مستشار الرئيس زين العابدين بن علي والقريب من زوجته ليلى الطرابلسي، إحدى أكبر وأهم الهيئات التي تكبح حرية الإعلام وحرية التعبير في تونس وأصبحت الهيئة الأداة الرئيسية لبروباغندا النظام، ومنع كل تقدم للمجتمع المدني، وذلك بهدف تعزيز وتجميل وتلميع صورة بن علي ونظامه في العالم عبر عدة طرق منها رشوة وشراء ذمم عدة شخصيات إعلامية أجنبية.
بعد الثورة التونسية في 2011، تم تعليق وإنهاء عمل الوكالة، ولكن لم يصبح ذلك قانونيا إلا في 28 ديسمبر 2012.
التجاوزات..
وإبان الثورة عندما كشف تقرير تفقد الوكالة الصادر عن الرقابة العامة للمصالح العمومية في ماي2011، عن حجم التجاوزات في المؤسسة العمومية التي أنشئت من أجل “الترويج لصورة تونس بالخارج” إلا أنها لم تكن إلا مكتب اتصال خاص يسيره بن علي رأسًا ويصدر التعليمات بشأن أدق تفاصيله.
أنشطة مشبوهة..
عشرة أنشطة حصرتها هيئة الحقيقة والكرامة تعلقت بها انتهاكات الفساد المالي والإداري صلب الوكالة تمثلت حسب قرار الإحالة في تحويلات مالية بعنوان الدعم الاشهاري للصحف الوطنية والقنوات التلفزية والإذاعية الوطنية، وتوزيع مكافآت مالية هامة على الصحفيين التونسيين المتعاونين مع الوكالة والتكفل بمصاريفهم وتنقلاتهم للخارج إضافة للدعم المالي واللوجستي للمنظمات والجمعيات المتعاونة مع الوكالة.
كما يشمل الملف تسجيل دعم مالي للصحف الأجنبية لتلميع صورة النظام وتمويل طباعة الكتب والمنشورات من ميزانية وكالة الاتصال الخارجي، وأيضًا تمويل الصحفيين الأجانب المتعاونين مع الوكالة والدعم المالي للقنوات والإذاعات الأجنبية، وهو ما كلف ميزانية الدولة مبالغ مالية ضخمة.
تقرير اللجنة..
أفضت الأعمال التي قامت بها اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة إلى الوقوف على جملة من الاخلالات تتمثّل بالخصوص في افتقار الوكالة إلى نظام أساسي خاصّ بها على مستوى الأعوان والأجور خاصّة، حيث قامت مصالح الوكالة بانتداب أعوان قارّين بصفة مباشرة دون اللجوء إلى إجراء مناظرة بالرّغم من عدم وجود اسباب للانتداب المباشر التّي ينصّ عليها الأمر عدد 567 المؤرخ في 31 مارس 1997.
وأشار تقرير اللجنة أيضا إلى غياب مرجعية تحديد تأجير الأعوان القاريّن والمتعاونين بالوكالة إذ قامت الإدارة العامّة لهذه المؤسّسة بإسناد “منح تشجيعيّة” للأعوان الملحقين لديها شهريا تتراوح بين 300 و500 دينار خاما للملحقين من الإطارات، وبين 100و160 دينارا لأعوان التنفيذ وذلك دون عرضها على سلطة الإشراف بالمؤسّسة للمصادقة عليها، وكذلك تمّ إسناد قروض دون فائض من خزينة المؤسّسة لفائدة أعوانها بلغت قيمتها الجملية خلال السنوات المتراوحة بين 2007 و2010 حوالي 18.000 مليون دينار.
كما تولّت مصالح الوكالة التونسية للاتّصال الخارجي بتسديد نفقات مختلفة لصحافيين تونسيين وأجانب بتونس وخارجها تتمثّل في خلاص فواتير كراء المكاتب وتجهيزاتها وفواتير اقتناء الهدايا والمشروبات الكحولية.
وإثر استجواب مدير الشؤون الإدارية والمالية سابقا أفاد بأنّ تحمّل الوكالة لهذه المصاريف يأتي وفق تعليمات رئاسية.
وتعاملت الوكالة مع متعاونين تونسيين وأجانب بهدف تعزيز حضورها الإعلامي وتحسين صورة السياسة الوطنية في الخارج وذلك دون إبرام العقود في أغلب الأحيان.
التجمع المنحل وعلاقته بالوكالة..
من الاخلالات الأخرى التّي قامت بها الوكالة التّونسية للاتّصال الخارجي إسناد مبالغ ماليّة هامّة لحزب التجمّع الدستوري الديمقراطي وذلك عن طريق ممثليات ديوان التونسيين بالخارج، في شكل منح مالية للمساهمة في احتفالات الجاليات التونسية بذكرى 7 نوفمبر.
ويقدّر المبلغ خلال الفترة المتراوحة بين 1999و2010 بـ178.458 ألف دينار حيث تجاوزت نفقات الاحتفالات لسنة 2008، 340 ألف دينار تكفّلت بها الوكالة فقط وتشمل تكاليف إقامة الصحفيين والضيوف بالفنادق ونفقات طباعة النشر…
كما تنوّعت مصاريف الوكالة في مجالات شتّى كما ذكر تقرير لجنة تقصّي الحقائق على غرار تنظيم المؤتمرات العامّة للحزب الحاكم مثل مؤتمري «الطموح» (2003) و«التحدّي» (2008)، والتظاهرات السياسية والثقافية والاقتصادية على غرار الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
تمويل الجمعيات..
بيّن التقرير العامّ للجنة أيضا المبالغ المالية التّي أسندتها الوكالة لبعض الجمعيات والهياكل التونسية والأجنبية على غرار الغرفة التونسية الأمريكية للتجارة والجمعية التّونسية الكندية، كما تعاملت مع مؤسّسات مختلفة الجنسيات مختّصة في الإعلام والاتّصال بهدف إنشاء المواقع الالكترونية التّي تهتمّ بنشاطات المخلوع وزوجته وصورهما حيث بلغ حجم هذه التعاملات منذ سنة 1998 إلى موفى سنة 2010 ما قدره 1.577 مليون دينار.
ومن أهمّ المؤسّسات الأجنبية التّي تعاملت معها مصالح الوكالة المؤسستين الأمريكيتين Digital Publishing Service وWashington Media Group، حيث يثير موضوع التعامل هذا جملة من الملاحظات تتعلّق أساسا بإجراءات الاتفاق وظروف التنفيذ.
وقد لوحظ من خلال دراسة هذه المعطيات المطروحة أنّ الوكالة لا تحتفظ بالوثائق المحاسبية المتعلّقة بالنفقات المتعلّقة بالاتّصال الخارجي عموما وإن احتفظت بها فهي في شكل نسخ رقمية وليست النسخ الأصلية حيث تمّ استجواب في هذا الغرض المدير الإداري والمالي السابق للوكالة (م.د.و) الذّي أكدّ أنّ هذه الوثائق تمّ إيداعها بالأرشيف بينما أفادت المصالح المعنية بأنه تمّ إتلاف هذه الوثائق من قبل المدير المالي والإداري، بالإضافة إلى أن الوكالة كانت تقوم بالتعامل مع نفس المزودين بصفة مباشرة ودون تفعيل للمنافسة ودون إمضاء صفقات كتابية في بعض الأحيان كما ينصّ الأمر عدد 2240 لسنة1990المتعلّق بضبط قواعد إبرام وتنفيذ صفقات الوكالة، وذلك لتأمين الإعداد المادّي واللوجستي لمصاريفها.
وتولّت لجنة تقصّي الحقائق إحالة كافّة الوثائق المتوفرة على النيابة العمومية بتاريخ 21 سبتمبر 2011 وتتمثّل خاصّة في وثائق عثر عليها في قصر الرئاسة بقرطاج تفيد علم الرئيس المخلوع بهذه الخروقات المالية والإدارية للوكالة.
«تونس7»..
وإلى جانب الملفات التّي طرحت في التقرير فيما يخصّ القطاع السمعي البصري ملف التلفزة الوطنية حيث قامت اللجنة بالتدقيق في بعض أوجه التصرّف في الوكالة الوطنية للإنتاج السمعي البصري وبمؤسّسة الإذاعة والتلفزة الوطنية وخاصّة المتعلّقة بعقود تنفيذ الإنتاج التّي أبرمتها شركة CACTUS Production والتّي يملك فيها (س.ف) 49 بالمائة و(ب.ط) 51 بالمائة، والمتمثّلة في 5 عقود وذلك بين سنتي 2005 و2006 وذلك لإنتاج برنامجي « آخر قرار» و«دليك ملك».
وقد تمّ ذلك بصفة مباشرة دون أن يتمّ تفعيل المنافسة ودون الالتزام بالقواعد المنظّمة ومن جهة أخرى اقتنت مؤسّسة التلفزة الوطنية سنة 2008 برنامج «أحنا هكّا» الذّي أنتجته CACTUS Production مقابل أكثر من 3.6 مليون دينار وهو مبلغ مشطّ جدّا مقارنة بكلفة البرنامج ومحتواه الذّي لم يمكن من الحصول على عقود إشهار سوى بقيمة مليون دينار.
تحويلات بالمليارات..
من جهة أخرى يوثّق تقرير رسمي صادر عن إدارة الإشهار بوكالة الاتصال الخارجي تكبّد خزينة الدولة مبلغ مالي ناهز 9.484 مليون دينار كتحويلات فعلية لفائدة الصحف والمجلات ووسائل الاعلام الأجنبية بين 1جانفي و31 ديسمبر 2009.
هذه التحويلات الدولية ذهبت الى أرصدة عناوين معروفة من الصحف والمجلات والتلفزات الأجنبية المعروفة، والملاحظ في هذه التحويلات قيمة المبالغ المالية المرسلة الى هذه المحامل الإعلامية، ففي سنة وحيدة تمتعت صحيفة أجنبية بـ 12 تحويلا ماليا فاق قيمة 335 ألف دينار.
وفي هذا السياق أشار تقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد المعروفة بلجنة عبد الفتاح عمر الى “تحمل الوكالة التونسية للاتصال الخارجي انطلاقا من 2001 وبتعليمات من الرئيس بن علي مصاريف النزاع القضائي الذي كانت صحيفة أجنبية طرفا فيه (دون ان يكون للدولة التونسية أي دخل فيه) وبلغت جملة التحويلات 2.239 مليون دينار.
تجاوزات بالجملة..
إزاء مجمل هذه الممارسات الدعائية المبذرة للمال العام، وقفت لجنة المرحوم عبد الفتاح عمر على جملة من الاخلالات على غرار افتقار وكالة الاتصال الخارجي الى نظام أساسي خاص بأعوانها والى شبكة للأجور وغياب الشفافية في الانتداب مع افتقادها لوثائق محاسبية متعلقة بالنفقات المتعلقة بالاتصال الخارجي وعدم تفعيل مبدأ المنافسة عند الشراءات العمومية.
ملف اغتيال الشهيد محمد الزواري: تقديم اعلامات نيابة جديدة والمحكمة تؤجل المحاكمة لجلسة 27 ديسمبر للحكم …
نظرت صباح يوم الثلاثاء 24 ديسمبر 2024 هيئة الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الإرهاب بالمح…