في جلسته الافتتاحية: انطلاقة مجلس الجهات والأقاليم لم تخرج عن المألوف..!
كما كان متوقعا، ووفق الإجراءات الواردة بالأمر عدد 196 المؤرخ في 16 أفريل 2024 الصادر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية تحت عدد 49 والمتعلق «بدعوة أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم لحضور جلسته العامة الافتتاحية»، والذي ضبط أيضا الإجراءات الترتيبية لذلك، التأمت صباح أمس الجمعة 19 أفريل هذه الجلسة «التاريخية» برئاسة النائب الأكبر سنّا فوزية الناوي (70 عاما) والنائبين المساعدين الأصغر سنّا، وهما عمر الجعيدي (26 عاما) ونورس الهيشري (25 عاما).
وقد تم انتخاب عماد الدربالي رئيسا للمجلس في دور ثان بعد أن أخفق 12 نائبا في الظفر بكرسي الرئاسة منذ الدور الأول، كما وقع انتخاب نائبين للرئيس وتشكيل لجنة ستنكب في قادم الأيام على إنجاز النظام الداخلي حتى يتسنى عرضه في جلسة عامة واعتماده في أقرب الآجال.
وكما هو معلوم، يبلغ عدد أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم 77 عضوا من بينهم 72 عضوا تمّ انتخابهم من قبل أعضاء المجالس الجهوية بمعدل ثلاثة أعضاء عن كلّ مجلس من بين الـ24 مجلسا جهويا في بلادنا و5 أعضاء عن مجالس الأقاليم بمعدل عضو عن كلّ إقليم.
ومعلوم أيضا، إن نظام الغرفتين ليس جديدا على التونسيين فقد عرفوه قبل ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة حيث كان لنا برلمان ومجلس للمستشارين، قبل العودة الى نظام الغرفة الواحدة في ما يشبه النظام البرلماني، والعودة بعد 25 جويلية 2021 وضمن مشروع سياسي جديد لرئيس الجمهورية قيس سعيد عُرف بالنظام القاعدي، الى نظام الغرفتين.
ورغم طابع التجديد في هذه التجربة التمثيلية التي تنبثق عنها مؤسسة تشريعية ذات رأسين لتعبّر عن سيادة شعب واحد، فإننا لم نقطع مع المألوف سواء في الشكل أو المضمون، فلا النواب الجدد المنخرطون في المشروع قطعوا مع أسلافهم وأنسونا ما اقترفوه في حق أنفسهم وفي حقنا، ولا طريقة العمل تغيّرت جذريا لنتفاءل بالأفضل، ولا الأهداف اتضحت حتى يعرف النواب أولا والناخبون ثانيا الأدوار والمهام المنوطة بعهدتهم.
الانطباع الأوّلي الذي ارتسم لدى المتابعين للجلسة الافتتاحية أن النواب في الغرفة الثانية لا يختلفون كثيرا عن نواب الغرفة الاولى الذين لا يختلفون بدورهم عن نواب البرلمانات السابقة في علاقة بالحرص على المواقع.
ومن خلال وقائع انتخاب رئيس مجلس الجهات والأقاليم مثلا تعود الى الأذهان صورة التدافع على المواقع وعقلية الغنيمة، فإقدام 12 نائبا بالتمام والكمال، من جملة 77 نائبا فقط على المنافسة على مقعد الرئيس، لا يمكن تفسيره بالديمقراطي ولا بصراع البرامج فالصلاحيات ما تزال في علم الغيب..!
وهذه النقطة الهامة تقودنا الى ما يمكن ان نسمّيه مسألة أو إشكالية الفراغ التشريعي أو الضبابية التشريعية، فمجلس الجهات والاقاليم انطلق في العمل وسينجز نظامه الداخلي في قادم الايام وهو لا يعرف الى حد الآن صلاحيته ولا يمكن اعتبار وجود الفصلين 84 و 85 من دستور تونس الجديد لعام 2022 كافيا لملء الفراغ بل والتأسيس عليه ، ليس ذلك فحسب كيف سينجح نواب الغرفة الثانية في اجتناب التداخل أو التصادم مع الغرفة الأولى عند ضبط الأدوار والحقوق والواجبات في نظامهم الداخلي.
ولا يخفى أيضا، ان بعض المختصين في القانون الدستوري والمتابعين للشأن العام، يطرحون مسألة دقيقة أخرى مرتبطة بالنص المؤسس لمجلس الجهات والاقاليم الذي سيعدّه ويصادق عليه مجلس النواب الشعب، والحال ان الأمر يتعلق بمؤسستين منتخبتين من الشعب ولهما أو لسكانهما نفس الشرعية والمشروعية علاوه على سؤال الزمن فلا أحد يعلم الآجال التي يجب ان تنجز فيها جميع المهام حتى يرى التونسيون وظيفتهم التشريعية متكاملة متناغمة وفعّالة قادرة على تحقيق أهدافهم في الحرية والكرامة كما يقول المنخرطون في مشروع الرئيس.
إن مجلس الجهات والأقاليم لن يكون في علاقة بمجلس نواب الشعب فقط، فنحن لنا 279 مجلس محلي و24 مجلسا جهويا و5 مجالس أقاليم وحتى بالاستئناس بالتجارب بالمقارنة يصعب العثور على هكذا «وظيفة تشريعية»، باستثناء ربما التجربة الليبية قبل 2011 أيضا، وبالتالي سيكون «الاستنباط» كما قال الرئيس هو نهج أصحاب المشروع ودليلهم.
وللأسف، وخلافا لما أريد للغرفة الثانية من تثبيت للديمقراطية الجديدة والبناء الجديد، فإن حدث افتتاح مجلس الجهات والأقاليم كان بمثابة اللاّحدث الذي لم تتم متابعته في الداخل والخارج على حد سواء وهو ما حصل تقريبا ولو بدرجة أقل مع مجلس نواب الشعب الذي لم تعد أعماله تستهوي الجمهور رغم وجود ما يستوجب الفرجة.
التشخيص والتوصيف متّفق عليه : كيف سيتمّ إنقاذ المؤسسات العموميّة؟
أشار وزير النقل رشيد عامري مطلع الأسبوع الجاري بأن برنامج مراجعة شاملة لشركة الخطوط التونس…