2024-04-16

السباق إلى قرطاج في 2024 : تواتر الترشّحات في انتظار وضع النقاط على الحروف 

تكتظّ سنة 2024 بالمواعيد الانتخابية فقد بدأت بالدور الثاني لانتخابات المجالس المحلية ويتوقع أن تنتهي بالانتخابات الرئاسية الخريف القادم، وبين الاستحقاقين هناك إمكانية لإجراء الانتخابات البلدية وخاصة الانتخابات الجزئية لملء الشغورات في مجلس نواب الشعب، وهذه الرزنامة لم ترد فقط على ألسنة أعضاء مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فقط، وإنما وردت شروطها المالية في ميزانية العام الجديد حيث ارتقى حجم الأموال المرصودة لهذه الهيئة الى حدود 192 مليار من مليماتنا.

وها هي الترشحات إلى الانتخابات الرئاسية تتواتر بأشكال مختلفة، ومن مواطن متباعدة فالبعض موجود في تونس وثمة من هو في السجن وهناك أيضا من هو خارج أرض الوطن.

تقنيا، نجحت انتخابات المجالس المحلية خلال شهر فيفري الماضي ونحن في انتظار تركيز الغرفة الثانية وسن النص القانوني الخاص بعملها، بقطع النظر عن نسبة المشاركة التي كانت ضعيفة وفق المؤيدين لهذه الانتخابات وللمشروع السياسي الذي تندرج فيه.

كذلك الأمر بالنسبة إلى الانتخابات الجزئية أو التكميلية خصوصا إذا تم حسم الاختلاف بين المجلس والهيئة بخصوص تحديد طريقة وآلية معاينة الشغورات وإن كانت هذه العملية من مشمولات هذا الطرف أو ذاك، وحتى الانتخابات البلدية فتنظيمها ليس غاية صعبة المنال ويبقى الاستحقاق الرئاسي الذي رجّح رئيس الهيئة فاروق بوعسكر أن يجرى بين شهري سبتمبر وأكتوبر 2024 الأهم للعديد من الأسباب.

أولا السياق العام والظرف الذي تمر به البلاد وتواصل الأزمة المركبة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما يعنيه ذلك من طرح سؤال جوهري حول الجدوى من إجراء انتخابات تحدد رأس النظام في مثل هذه الأوضاع وهل هذه هي أولويات المواطن التونسي اليوم.

المسألة الثانية وهي مرتبطة بما تقدم تطرح بحدة مسألة المشاركة السياسية والمواطنية والعزوف وضعف الإقبال على الاستحقاقات الانتخابية وضعف المنافسة أيضا بين المترشحين كي لا نقول غيابها، ولا يمكن اعتبار النسب المثالية التي كانت رائجة قبل ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة مقياسا للشرعية والمشروعية فبورقيبة مثلا وبن علي خاصة كانا يصعدان بانتخابات تصل فيها نسبة المشاركة والتأييد إلى %99.

اللاّفت للانتباه ان هيئة الانتخابات التي هي رقم أساسي في مراحل الانتقال الديمقراطي تتعامل مع الموضوع من الزاوية التقنية الصرفة وقد طمأننا أحد أعضاء مجلسها مشكورا، وهو الأكثر تسيّسا على ما يبدو، بأن عدم وجود العتبة في القانون يجعل نتائج الانتخابات قانونية وشرعية ويتم البناء عليها مهما كانت نسبة المشاركة حتى وان استقرت في واحد على 10 من الناخبين.

في هذا السياق إذن، وفي انتظار ان يأتي فصل الخطاب من رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي أكد للسنة الثانية على التوالي من ضريح الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة أن الانتخابات الرئاسية ستجرى في موعدها وبالتشريع الجاري به العمل دون الحاجة إلى تنقيح القانون الانتخابي بما أن الدستور الجديد وهو الأعلى مرتبة وضع الشروط الرئيسية في اللعبة الانتخابية، لا مناص من وضع بعض النقاط على الحروف.

في هذا السياق لا مبرر لعدم تحديد رزنامة الانتخابات، ودون العودة إلى التجارب المقارنة والدول التي يعلم مواطنوها اليوم الذي يذهبون فيه للانتخاب قبل أكثر من سنة في بعض الأحيان، فإن الوصول إلى مكاتب الاقتراع في الدور الأول وربما في الدور الثاني في انتخاباتنا يستوجب خارطة طريق وجدولا زمنيا معلنا مسبقا في حيز زمني مناسب تكريسا لمعايير الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة التي تتسع فيها دائرة المشاركة السياسية لعموم المواطنين.

ثانيا، صحيح أنه من حق جميع التونسيين الترشح للاضطلاع بأهم وظيفة في البلاد وفق الدستور ووفق العرف داخل مجتمعنا، لكن الوجاهة والجدية والجدوى تتطلب تقديم البرامج، الواقعية بطبيعة الحال، التي تحترم الثوابت الوطنية وأسس العقد الاجتماعي الذي يربط التونسيين حتى يتسنى تقييم ومحاسبة ساكن قرطاج القادم على أسس سليمة بعيدا عن العاطفة.

وهنا ليس من اللائق في تقديرنا التنمّر أو الاستهزاء أو مصادرة حق أي كان في الترشح إلى هذا الاستحقاق الوطني فقد شارك في انتخاباتنا في أكثر من عشر مناسابات سابقة منذ ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة من هبّ ودبّ كما يقال.. !

ومهما يكن الأمر فإن الانتخابات بكل أنواعها ضرورية سواء كنا في ديمقراطية عريقة أو ناشئة والانتخابات علاوة على ضرورة أن تكون في بيئة ديمقراطية وتُجرى من اجل الديمقراطية نفسها، تتطلب جملة من الشروط لعل أبرزها إلى جانب وجود ثقافة ديمقراطية وجود ضمانات كافية لانتخابات حرة ونزيهة وشفافة وهذا يعني بالضرورة وجود مناخ من الحريات بكل أنواعها بالإضافة إلى عدم تجزئة الحقوق وتغليب ما هو سياسي على ما هو اقتصادي واجتماعي أو العكس فالأزمة مركّبة كما أسلفنا وطوق النجاة يكمن في وحدة وطنية صمّاء وسلم اجتماعية دائمة ومصالحة منصفة وحقيقية وعدالة ناجزة وشراكة حقيقية في الوطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

التشخيص والتوصيف متّفق عليه : كيف سيتمّ إنقاذ المؤسسات العموميّة؟

أشار وزير النقل رشيد عامري مطلع الأسبوع الجاري بأن برنامج مراجعة شاملة لشركة الخطوط التونس…