2024-04-06

مع انطلاقة السباق الرئاسي : مؤسّسات سبر الآراء وطاحونة الشيء المعتاد..!

اتضحت الرؤية نسبيا في المشهد التونسي بإعلان أكثر من طرف عن وجود استحقاق انتخابي رئاسي خريف العام الجاري، على غرار رئاسة الجمهورية والهيئة العليا المستقلة للانتخابات وعدد من الفاعلين السياسيين، الأمر الذي غذّى الحياة السياسية المتأزمة الراكدة منذ فترة وأعاد مؤسسات سبر الآراء للحياة وتنظيم استطلاعات الرأي ونشرها بين الفينة الأخرى وبشكل دوري منتظم.

ولا مناص من التذكير بداية بأن التحفظات حول عمل مؤسسات سبر الآراء في بلادنا ما تزال قائمة بالنسبة إلينا، من ذلك غياب الإطار التشريعي إلى جانب طريقة العمل في الوقت الحاضر وطبيعة التعامل مع الرأي العام من خلال الأسئلة الموجهة التي هي في الظاهر أسئلة حرّة ومفتوحة وغالبا ما تكون نتائجها متماهية مع المزاج الشعبي لصالح هذا الفرد أو ذاك أو هذه الجهة أو تلك، ونستحضر هنا على سبيل المثال وضع شخصيات شاهدة بعينها في مقدمة السباقات الانتخابية الرئاسية في الوقت الذي كان فيه مصيرها «اللطخة» والخروج من التاريخ..

مطلع هذا الشهر أصدرت مؤسسة «تونيزيا ميترز Tunisia Meters»، نتائج سبر آراء قالت أنه لشهر أفريل 2024، وقد تقدم بقية المؤسسات المعهودة بفعل الشيء نفسه، ونقصد هنا «سيغما كونساي» و«أمرود كونسيلتينغ» وغيرهما إلى جانب مؤسسات أجنبية أيضا في الدول الصديقة والشقيقة المهتمة بما يحدث في ربوعنا.

هذا ولم تكن نتائج أفريل مفاجئة في مسألتين رئيسيتين على الأقل الأولى تتصل بمشاعر التونسيين إن جاز القول، والثانية بتوجهاتهم في علاقة بالشخصية التي يرونها الأنسب لرئاسة الجمهورية في الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها هذا العام.

ومرة أخرى يؤكد سبر الآراء الحديث أن التشاؤم ما يزال يميز مشاعر التونسيين الخائفين على مصائرهم، وأن أكثر من نصفهم (%54) يعتبرون أن البلاد تسير في الطريق الخطإ و37 % لا يملكون إجابة فيما 9 % فقط «متفائلون» ويرون ان تونس تسير في الاتجاه الصحيح.

وقد لا نحتاج الى هكذا أرقام ومكاتب سبر آراء لندرك أن الأمور ليست على ما يرام، فظاهرة الهجرة غير النظامية والنظامية على حد سواء للكفاءات التونسية في شتى المجالات ما تزال مرتفعة ومخيفة الى جانب تفاقم البطالة وتفشي العنف والجريمة وإضرام النار في الجسد، وتواصل ظاهرة التهريب والفساد بكل أنواعه وانتشار التسوّل بطريقة فجّة في الشوارع والساحات العامة وغيرها من المشكلات الاجتماعية التي تلقي بظلالها على التونسيين.

رقم آخر ليس مفاجئا وله دلالات كبرى يتعلق بالثقة في رموز الدولة ومسؤوليها السامين، صحيح أننا اليوم في إطار ما يعرف بالنظام الرئاسي والذي يوصّفه البعض بأنه رئاسوي، لكنها من المرات النادرة التي لا يتجاوز فيها منسوب الثقة في رئيس الحكومة أربعة بالمائة فيما يحتفظ رئيس الجمهورية بنسبة %68. ولعل هذه الثقة في الرئيس الحالي هي التي جعلته يتصدر نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية القادمة.

ان وجود عشر شخصيات أساسية تستأثر باهتمام من تم سبر آرائهم، وان كان مسايرا لمزاج عام سائد في المجتمع التونسي في ظل الأوضاع الراهنة، فإنه ليس ترتيبا نهائيا وثابتا فهناك أسماء تتنزل في ما يمكن أن نسمّيه الترشيحات الفلكلورية الاستعراضية التي تزيّن المحفل كما يقال وهناك أيضا أسماء مستهلكة لا ندري ما الغاية من الزج بها في السباق حتى وان كانت لها النية في ذلك دون ان ننسى عنصر المفاجأة وترتيبات اللحظات الأخيرة التي قد ترجح كفة ساكن قرطاج أو تدفع باسم آخر كما حصل في 2014 و 2019 تحت يافطات التصويت النافع والتصويت العقابي والتأسيس الجديد.

هي طاحونة الشيء المعتاد في تقديرنا، ولا نخال أن مؤسسات سبر الآراء ستغير من طرق عملها وأن الفاعلين المعنيين بالاستحقاق الانتخابي الرئاسي سيجدّدون وسيغيّرون قواعد اللعبة المتوارثة في بيئة محافظة تقليدية ثقافتها الديمقراطية عرجاء تحتاج إلى عمل دؤوب ونفس طويل يؤسس بالفعل لا الشعارات لتونس الجديدة وتبقى الانتخابات في المطلق، سواء انخرط فيها الجميع أو قاطعها البعض، فرصة مهمة لتحريك الحياة السياسية وحتى الاجتماعية والاقتصادية وهي امتحان أيضا للمترشحين والناخبين على حد سواء للبرهنة على تملّكهم ونجاحهم في الإجابة عن السؤال الديمقراطي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!

تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…