مرة أخرى الرئيس يؤكد على أن حرية التعبير مضمونة ..مع ضرورة بناء صحافة حرفية ومهنية
وجّه رئيس الجمهورية قيس سعيد رسالة قوية الى الفاعلين في المشهد الإعلامي وكل المهتمين بالشأن العام مؤكدا انه لا مجال الى العودة الى الوراء في إشارة الى مناخات التعتيم وكبت حرية التعبير التي سبقت 14 جانفي 2011 وان حرية التعبير مضمونة اليوم بالدستور.
وهي رسالة طمأنة الى بعض الصحفيين والعاملين في مجال الفكر والابداع من المتوجسين او الخائفين على هامش الحرية الذي منحه الشعب التونسي لنخبه وهذه الكلمات هي أيضا بمثابة الرد القوي على كل المشككين في نوايا السلطة الحالية وتوجهها الى التضييق على حرية التعبير.
وجاء هذا في سياق لقاء جمع رئيس الجمهورية قيس سعيد بكل من السيد شكري بن نصير الرئيس المدير العام للشركة الجديدة للطباعة والصحافة والنشر والسيد هاشمي بلوزة مفوض دار الصباح وكان مناسبة للتأكيد على انه لا مجال للتفريط في هاتين المؤسستين واللتين سيتم ادماجهما في وقت لاحق ولم يفوّت رئيس الجمهورية الفرصة لاستعراض اهم المحطات التاريخية المهمة للمؤسستين الصحفيتين العريقتين.
وتأتي أهمية هذا اللقاء وأهمية الكلمة من السياق الذي تتنزل فيه فمعلوم ان هناك جدلا متناميا في الآونة الأخيرة في المشهد الإعلامي التونسي وهناك سجالات متنوعة ومتناقضة بشأن بعض الأحداث المتعلقة بملاحقات قضائية لبعض المنتمين لهذا المشهد وهناك انقسام بشأنها بين من يعتبرها مقدمة للتضييق على الحريات وبين من يعتبرها ضرورية لتنقية المهنة من كل ما يشوبها من ممارسات تتعارض مع ابجديات الحرفية ومع الاخلاقيات التي يتأسس عليها العمل الصحفي.
ولعل هذا ما حدا برئيس الجمهورية قيس سعيد الى طرح هذه الإشكالية لدى لقائه بالمشرفين على اهم مؤسستين اعلاميتين للصحافة المكتوبة في تونس وذلك للتأكيد على انه لم يعد ممكنا لا بقوة القانون ولا بقوة الامر الواقع العودة الى مربع التضييق على حرية التعبير التي هي مكفولة بالدستور وبالتشريعات المنبثقة منه.
ولأن عجلة التاريخ لا تعود قطعا الى الوراء والأكيد أن كل التونسيين تعلّموا الدرس من تجربة سنوات الحكم التسلّطي وبالتالي لم يعد ممكنا العودة اليها. واستشهد رئيس الجمهورية هنا بعناوين الصحف التي تصدر كل يوم وكذلك بالمنابر المبثوثة في وسائل الإعلام الجماهيرية من اذاعات وتلفزات وهي التي يطرح فيها الرأي والرأي الآخر. وبالتالي لا نستطيع الحديث عن ملاحقات لمن يعبر عن رأيه.
وهنا سيكون من المهم التفريق بين ممارسة المهنة الصحفية في أطرها القانونية وضمن المدونة الأخلاقية والسلوكية والحرفية المعلومة وبين الإنزياح نحو تصفية الحسابات الشخصية او هتك الاعراض والثلب والتنمر وغيرها من القضايا المتصلة بمجال التعبير والتي تطرح اليوم ليس في تونس فقط بل حتى في أعتى الديمقراطيات.
فهناك خيط رفيع بين ان يمارس الصحفي مهنته بكامل الحرية وان يعبر عن رأيه في الشأن العام وفي الفاعلين السياسيين والنخب السياسية والثقافية بمنتهى الحرية سواء من خلال الأشكال الصحفية المتصلة بالرأي او من خلال الصحافة الاستقصائية التي تكشف خبايا عالم السياسة وغيرها من القطاعات التي تقدمها بالوثائق وبالحرفية اللازمة للمتلقين، وبين ان يستغل الصحفي منبرا إعلاميا جماهيريا او ركنا في نشرية ليصفي حسابات او يلقي تهما جزافا او ليقدم معطيات زائفة او ينبري لتشويه سمعة او هتك عرض أي مواطن اخر مهما كانت صفته.
وهذه من القضايا المطروحة اليوم على الإعلام في كل البلدان تقريبا خاصة مع تنامي ظاهرة «السوشيال ميديا» التي باتت توظف هذه المعطيات لتنشرها وبالتالي يتضاعف أثرها وهذا من المخاطر المطروحة اليوم ومن التحديات التي تواجهها المهنة الصحفية.
ولا ننسى هنا ان الرهانات المطروحة على المشهد الإعلامي كبيرة جدا وفي مقدمتها التوظيف السليم لهامش الحرية وبناء صحافة حرفية ومهنية وتنقية القطاع من الدخلاء والمأجورين وكل الذين غزوا المنابر الإعلامية وفيهم من هم ذراع من أذرع الفساد وهي الظاهرة التي تنامت كالطفح الجلدي مستفيدة من الانفتاح ومناخات الحرية ولكنها قطعا أضرّت بالمهنة وبالمنتسبين اليها من المهنيين الذين يكابدون من اجل صحافة مهنية وحرة ولا قيود عليها سواء تلك التي يفرضها الفاعلون السياسيون او تلك التي تمليها لوبيات المال الفاسد وكل المستفيدين من توجيه الرأي العام لمآربهم المتنوعة.
التشغيل في تونس : «أم المعارك» التي لا بدّ من خوضها
لا شك ان احد الرهانات المطروحة على تونس اليوم هو التشغيل بكل ما يعنيه هذا الملف من تعقيد …