2024-03-28

قضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد : صدرت «الأحكام».. في انتظار «الحقيقة» الكاملة

شاءت التقاطعات في الأزمنة السياسية والقضائية أن تصدر الأحكام بحق المتهمين باغتيال شهيد الوطن شكري بلعيد ذات صباح أربعاء 6 فيفري 2013، صباح أربعاء أيضا، 27 مارس 2024، وهي أحكام منتظرة ومتوقعة باعتبار أن الجريمة في بعدها التقني إن جاز القول واضحة المعالم والأركان و«الأدوات»، لكن ما ينتظره أهل ورفاق الشهيد وشعبه هو الحقيقة كاملة، حقيقة من دبّر وموّل وتستّر لمدة عقد من الزمن.

وكما صار معلوما فقد تراوحت الأحكام بين الإعدام في حق أربعة متهمين، والسجن لأغلب المتهمين لفترات متفاوتة، من المؤبد الى بضع سنوات فقط مع المراقبة الإدارية، الى جانب عدم سماع الدعوى لعدد من المتهمين.

وفي ثنايا قائمة المتهمين والأحكام الصادرة في حقّهم، لا وجود مبدئيا لإدانة لطرف سياسي بعينه ولا تبرئة أيضا، والحال أننا إزاء جريمة اغتيال سياسي يصفها البعض بـ«جريمة دولة»، ويتهم فيها جماعات الإسلام السياسي، وأساسا تنظيم النهضة الذي كان يضطلع بأعباء الحكم في تونس ضمن منظومة الترويكا في تلك الحقبة التي شهدت كذلك جريمة اغتيال سياسي ثانية استهدفت شهيد الجمهورية الحاج محمد البراهمي يوم 25 جويلية 2013 وجرائم كثيرة أخرى استهدفت بواسل مؤسستينا العسكرية والأمنية كما لم يسلم المدنيون من هول العنف والإرهاب..

إن صدور الأحكام الابتدائية هو في نهاية المطاف حلقة ضمن سلسلة مترابطة لا مناص من كشفها وفك طلاسمها، ولا يتعلق الأمر كما قد يتبادر إلى الأذهان بالاستئناف والتعقيب، وهي درجات تقاض وحقوق يضمنها القانون، ولكن نتحدث عن ملفات الجرائم السياسية والإرهابية الجارية المفكّكة المعروضة أمام القضاء التونسي ونقصد بذلك ملفات ما يعرف بالجهاز السري والتسفير وتبييض الأموال وغيرها من القضايا الجارية التي سيؤدي البتّ والحسم فيها بكل نزاهة وشفافية إلى ربط خيوط اللعبة التي وقع تحريكها بين الداخل والخارج والتمييز بين الدمى والأدوات الآدمية التي نفّذت وبين العقول المدبّرة التي كانت لها أجندا غير تلك التي انتفض من أجلها التونسيون وأطلقوا ملحمتهم التي لم تكتمل في 14 جانفي 2011.

ومن هذا المنطلق يمكن القول أنه من السابق لأوانه تبرئة أو إدانة أي جهة سياسية جزائيا بما أن الإدانة هي إلى حد الآن إدانة سياسية وأخلاقية لأن منظومة حكم النهضة هي المسؤولة قيميا عن كل ما حلّ ببلادنا تحت حكم الإسلام السياسي.

وحتى بمسارعتها بإصدار بيان تزعم فيه أن هذه الأحكام هي «أدلة براءة»، فان قيادة التنظيم تدرك جيدا ان المسار القضائي ما يزال طويلا وشاقا بالنسبة إليها لأن أسماء الصفّ الأول، صحيح أنها غير موجودة مباشرة في جريمة اغتيال الشهيد شكري بلعيد، لكنها موجودة على لائحة المتهمين في ملفات الجهاز السري والتسفير وغيره.

وهذا ما يجعل رفاق شكري بلعيد يعتبرون أن قضية شهيدهم وشهيد تونس، ما زالت متواصلة ويربطون بين ملف الجهاز السري على سبيل المثال وجريمة الاغتيال ويؤكدون أن العدالة نطقت وحسمت فقط في حلقة من حلقاتها، وهي لن تتحقق بصفة تامة إلا عندما يتم الفصل في جميع القضايا.

إن مصلحة بلادنا اليوم تقتضي أن نتوصل إلى الحقيقة كاملة، ونكشف من تورط في الجرائم التي خلقت شرخا في المجتمع التونسي وضربت في العمق تجربته الديمقراطية بعد 2011 ولا يمكن بالتالي الحديث عن مصالحة كما جاء في بيان النهضة قبل تنقية العلاقة بين من تضرّروا من اغتيال شكري بلعيد وغيره من شهداء الوطن ومن هم «متهمّون» لكنهم «أبرياء» إلى ان يأتي ما يخالف ذلك دون أن ننسى تحميل المسؤولية للجهات الخارجية التي قد تكون تورطت بشكل أو بآخر في الجرائم كلها فجماعات الإسلام السياسي تمتعت وما تزال إلى اليوم بإسناد مادي لوجستي ومعنوي وإعلامي كبير من محور بعينه يضم بوضوح قطر وتركيا بتواطؤ غربي سوّق لمقولة «الإسلام الديمقراطي» و «الربيع العربي».

ولقد كان استهداف شكري بلعيد وبعده الحاج محمد البراهمي في سياق ضرب مشروع سياسي وطني عروبي وإنساني لتونس الجديدة تشكّل تحت عنوان الجبهة الشعبية لتحقيق أهداف ثورة شعب تونس في الحرية والكرامة، مشروع بديل للإسلام السياسي من جهة وللنظام القديم الذي تمكّن من رسكلة نفسه والاستفادة بدوره من الجرائم السياسية والإرهابية لملء الفراغ واللعب على الطابع المحافظ للشخصية التونسية.

إن ما تكابده تونس اليوم ودون مبالغة، نتيجة مباشرة للإعصار الذي ضرب التجربة الديمقراطية في تونس وكانت أولى إرهاصاته ونتائجه الكارثية اغتيال شكري بلعيد وتواترت بعده العمليات الإرهابية التي من المؤسف ان نقرّ اليوم انها ما تزال خطرا جاثما ولو بشكل محدود، وليس أدل على ذلك من هذه الألغام التي تنفجر بين الفينة والأخرى في محيط الشعانبي وتستهدف الرعاة في هذه المناطق المنكوبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!

تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…