رغم الإغلاق ورغم الأموال الأوروبية المرصودة للتقليص من الظاهرة… «الحرقة» تمرين يومي في اتجاه «الأوهام»..!
رغم كل الإجراءات التي تم اتخاذها ورغم كل الجهود المبذولة من قبل القوات الأمنية والعسكرية من اجل التقليص من ظاهرة الهجرة السرية في اتجاه القارة العجوز، إلا انها ما فتئت تتفاقم بشكل ملفت ونرصد ذلك من خلال عدد العمليات التي يتم احباطها من حين الى آخر ومن خلال أيضا أعداد الواصلين الى الضفة الشمالية من المتوسط وتحديدا الى السواحل الإيطالية وكذلك من خلال انتشال الجثث وبعض الناجين من حين إلى آخر جراء غرق بعض المراكب والزوارق التي تبحر خلسة حاملة مهاجرين غير نظاميين سواء من الوافدين علينا من بلدان الصحراء والساحل الافريقي او من التونسيين.
والحقيقة ان الهجرة السرية هي ذاك الصداع الذي يؤرق الأوروبيين تماما كما يؤرقنا ولم تفلح كل السبل في كبح جماح هذا النزيف الخطير رغم انه ووفق بعض المتابعين لهذه الظاهرة فإن عدد المهاجرين القادمين من افريقيا جنوب الصحراء للانطلاق من تونس نحو أوروبا قد تراجع نسبيا جراء اليقظة الأمنية ومراقبة الحدود بصرامة ولكن هذا لا يلغي الهجرة السرية ولا يقلل من مخاطرها بأي حال من الأحوال.
فهناك عدد كبير من التونسيين تراودهم أحلام الهجرة الى الشمال وهناك بعض القادمين حتى من المنطقة العربية مثل السودان الذي يعيش حربا ضروسا والتي لا يتم الحديث عنها كثيرا في وسائل الاعلام لأن ما يحدث في غزة غطى على ما دونه وبالتالي فإن أعداد الذين ينتظرون فرصتهم للإبحار خلسة كبيرة والذين يتمكنون من ذلك يشكلون رقما لا يستهان به وكذلك الذين يفشلون ويلقون حتفهم في عرض البحر أيضا.
وآخر مستجدات هذا الملف بالإضافة الى وقائع «الحرقة» شبه اليومية تفيد بأن الاتحاد الأوروبي يهدف الى كبح جماح هذه الظاهرة التي تهدد القارة العجوز وعلى هذا الأساس قرر رصد مبلغ 165 مليون أورو سيتم تقديمه لتونس لمساعدتها على تطويق هذا الموضوع.
وجاء هذا في عدد من وكالات الانباء وفي صحيفة الفاينانشال تايمز الصادرة مؤخرا. إذ يبدو أن الاتحاد الأوروبي يعتزم تقديم مساعدات مباشرة لتونس على مدى ثلاث سنوات تستفيد منها قوات الأمن بالتحديد من اجل تسهيل مكافحة الهجرة غير النظامية التي تشكل تهديدا للأمن التونسي والأوروبي على حد سواء.
ولا ندري حتى الان ان كانت هذه الأموال المرصودة لتونس تتنزل في اطار اتفاقيات سابقة تم الحديث عنها في اكثر من مناسبة مع الأطراف الأوروبية وخاصة الجانب الإيطالي سواء لدى الزيارات المتواترة التي قامت بها رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني الى تونس في اكثر من مناسبة او لدى زيارة رئيس الجمهورية قيس سعيد الى روما في القمة الإيطالية الافريقية.
فالأكيد انه لم ترجح معلومات دقيقة بهذا الخصوص لنفهم إذا كان الاتحاد الأوروبي يمضي في تطبيق بعض التفاهمات التي تمت بشكل مبدئي مع تونس أم أن هذه المساعدات المرصودة لبلادنا هي من قبيل المقترحات الجديدة التي من شأنها ان تكبح جماح الهجرة السرية في انتظار حلول جذرية وعميقة.
والحقيقة ان الحل العميق والناجع هو ما طالبت به تونس منذ ان تعالت الأصوات لإيقاف نزيف الهجرة السرية ومنذ ان انبرت إيطاليا لمجابهة هذا الملف الذي طافت به ميلوني كل المحافل الكبرى معربة عن خوفها حينا وتبرّمها حينا اخر من هذه الظاهرة.
كما ان السلطات التونسية كانت واضحة ومحددة بخصوص الملف بالتحديد فقد أبدت اعتراضها على ان تكون شرطيا للمتوسط يحرس الحدود الجنوبية للقارة العجوز واقترحت بدائل للتضامن وتفاهمات بشأن الهجرة غير النظامية يقوم فيها كل بدوره. وكذلك أعربت تونس عن رفضها القطعي لما طرح بشكل موارب وضمني من قبل بعض الفاعلين السياسيين الأوروبيين بشأن الرغبة في توطين بعض الوافدين على بلادنا من بلدان الصحراء والساحل.
ويبدو ان الاتحاد الأوروبي يهدف من خلال هذا الدعم المالي للمبادرة بحلحلة هذا الملف العالق والمضي على طريق حلّه بالتعاون مع تونس.
مرفق القضاء حجر الأساس في بناء الدولة ومؤسساتها : ..والعدل أساس العمران..
هل نحتاج الى استحضار مقولة علاّمتنا الكبير عبد الرحمان بن خلدون: «العدل أساس العمران» للت…