مسرحية «حاجة أخرى» لمحمد كواص في سلسلة عروض جديدة بفضاء»الرّيو» بالعاصمة: «فانتازيا» لاستنطاق الصمت وكسر الجمود
احتضن فضاء الرّيو بالعاصمة سلسلة جديدة من العروض لمسرحية»حاجة أخرى» وذلك في سهرات الجمعة والسبت والأحد 22/23/و24 مارس الجاري. ولا شكّ بأن الجوائز التي حصل عليها هذا العمل في تونس وفي الجزائر كانت محفّزة للجمهور لاكتشاف هذا العمل. هنا قراءة نقدية له:
تحت إضاءة شبة ثابتة ومركّزة على آداء الشخصيتين»مان» و»كان» قدّم عرض مسرحي على حافة الغرابة والفانتازيا يحكي قصّة عجائبية متخيّلة بطلها أجساد اصطناعية»عرائس البازار» تنطق بحكايات وأفعال وأراء عن حياتها الخاصّة ومحيطها الذي تنتصب فيه في احدى المحلاّت التجارية بالعاصمة.
يبدو العرض من فرط طرافته وغرابته أقرب إلى مسرح العرائس و الأطفال حيث يتداخل الواقع بالخيال ويصير كلّ شيء ممكنا وقد سمحت هذه المنطقة لمخرج العمل بالتجوّل في مساحات سردية مختلفة وتضافر ذلك مع التعويل على عناصر ديكور طيّعة وسهلة تمثّلت في أعمدة وصناديق خشبية مختلفة حوّل وظيفتها السينغرافية في كلّ مرّة للإحالة على أمكنة مختلفة، مطعم، مقهى، مصعد كهربائي، شارع، مطار، مستشفى، إلخ.
على حافة الغرابة والدهشة
يبدأ العرض بمشهد»مان» و»كان» «المانكانين» «عرائس البازار» (الأجساد البلاستيكية التي توضع عليها الملابس للعرض والإشهار) وهما في حالة جمود كامل ثم سرعان ما تصيبهما رعشة الحياة والميلاد فيأخذان في الحركة ثم الغمغمة والتأتأة وكأنهما رضيعان يتدرّجان في تعلّم النطق والكلام وفيما يشبه حركة الإنسان الآلي يتعرّف كلّ واحد منهما على الآخر فإذا هما من الكائنات الحية التي لها قصص وروابط عائلية وعاطفية وآلام وذكريات.
ينجح المخرج في كسر أفق توقّع الجمهور ويدفعه للتفاعل مع خطاب هذا الثنائي «مان» و»كان» الذي لا يتوقّف عن الكشف عن مظاهر التخلّف والتناقض والتدهور القيمي الذي أصاب المجتمع التونسي. ومكّن هذا الخروج الغرائبي من عرض الكثير من الوضعيات الدّرامية اليومية في حياة التونسيين وذلك في أسلوب غلبت عليه روح السخرية اللاّذعة.
ويمكن القول إجمالا أن جمالية هذا العمل وأصالته قد تحقّقت من تكامل مجموعة من العناصر الدلالية والركحية والسينغرافية. فمساحة العرض الركحية المحدّدة ذات الشكل الهندسي المربّع والإضاءة شبه الثابتة والموظّفة في خدمة حركة الشخصيات ووضعياتهم واقتصار الدّراما على الحوارات والتشنّجات والخصومات التي نشأت بين»عروستي البازار» واتجاه الخطاب المباشر لفضح الكثير من القضايا والظواهر السلبية المتعلّقة بالخدمات العمومية (الصحة، التعليم، النقل،) فضلا عن الخلافات القائمة بين الأزواج والجيران والناس عموما وتكثيف كلّ ذلك في مساحة زمنية محدّدة (ساعة تقريبا) نضيف إلى ذلك الآداء المميز لكلّ من «يحي الفايدي وأصالة كواص». كلّ ذلك جعل من مسرحية»حاجة أخرى» سهلة الصياغة، سلسلة لدى الجمهور المتقبل.
لقد نجح المخرج في التحكّم بعمله إن على صعيد الكتابة أو الإخراج وخصوصا في توجيه الممثلين وإدارتهم وهذا ممّا يحسب له كمسرحي شاب ولكن منطلق العمل كان يعد بأكثر من ذلك في تصعيد الخطاب الفاضح لشتّى مظاهر التكلّس والتنميط والجمود خصوصا في المجال السياسي والإعلامي.
جوائز وتتويجات
وللتذكير فقد فازت مسرحية “حاجة… أخرى” بجائزة العمل المتكامل في اختتام الدورة التأسيسية من المهرجان الوطني للمسرح التونسي (7 – 14 نوفمبر 2023). كما تحصلت على ثلاث جوائز في اختتام النسخة الثانية من الأيام المسرحية العربية التي انتظمت بمدينة سطيف الجزائرية من 14 إلى 18 فيفري 2024 الجاري. وهي «أفضل إخراج» و»أفضل سينوغرافيا» وكذلك «أفضل ممثل» التي فاز بها يحيى الفايدي مناصفة مع الممثل العراقي جاسم محمد عن دوره في مسرحية «عزرائيل».
من عروض المسرح التونسي في المهرجانات الصيفية: “رقصة سماء” للطاهر عيسى بالعربي: عندما يخترق الحب الأزمنة والحدود
من بين الأعمال المسرحية التونسية الجديدة التي قدّمت على أركاح المهرجانات الصيفية ومنها مهر…