مع تواصل انحباس الأمطار وتواصل النقص في امتلاء السدود: خطر الجفاف ما يزال قائما وأزمة المياه قد تتعمّق أكثر
لا شك ان التونسيين يعرفون جيدا ان الشتاء الذي انقضى، لم يكن شتاء بالمعنى المتعارف عليه، أو الذي تعوّد عليه الفلاحون والتجار ومربّو المواشي وسائر الفئات التي تعرف جيدا ان العام الحالي لم يكن في مستوى السنوات الفارطة، لا من حيث التساقطات ولا من حيث الكميات ولا حتى نوعية هذه التهاطلات، وانحسارها فقط في بعض الغيث الذي لا يدوم طويلا ولا يسيل أودية ولا يعبّئ سدودا ولا يفي حتى بحاجة التربة الى الارتواء.
وبالتالي فالاعتماد على تساقطات الشتاء المنصرم، رغم وجودها جزئيا وبنسب مختلفة في أغلب أنحاء البلاد، لا يمكن ان يكون خيارا صائبا، طالما ان الطبيعة لم تجد بخيرها من المياه، وطالما ان التربة والسدود والأنهار وكل أنواع الزراعات ما تزال في حاجة الى الارتواء، ولم تأخذ حاجتها الكافية من المياه.
هذا النقص في مياه الامطار، مضافا الى سنوات الجفاف التي مضت، وما خلفته من آثار على الزراعة، وحتى على نوعيات معينة من الغراسات والنباتات والمواشي، سوف يعمّق بلا شك أزمة المياه، وسيزيد من حاجة المواطنين الى هذه المادة الاساسية لحياتهم، سواء لناحية الشرب او للاغراض الفلاحية والخدمية المتعددة.
من هنا تبرز الحاجة الى البحث بجدية عن الآليات الكفيلة بسدّ النقص، والبدائل التي يمكن اللجوء اليها من اجل تفادي كارثة العطش، التي لم تعد مستبعدة، لا في تونس ولا في غيرها من البلاد التي تشبهنا طبيعيا وجغرافيا ومناخيا.
وإذا كانت تونس قد لجأت في السنوات الفارطة، والى حد الآن، الى الآليات التقليدية، أو ما يسمى الترشيد، والذي قطعت فيه أشواطا كبيرة وصلت الى حدود تقنين ضخ المياه إلى المنازل لعدة ساعات في بعض الليالي، والى التنبيه على الفلاحين في مناطق عدة بعدم غرس النباتات المستهلكة للمياه كالطماطم والفلفل وأنواع القرعيات والخضر الورقية، فان ذلك لا يمكن أن يكون إلا حلا مؤقتا، له تأثيراته السلبية أكثر من ايجابياته.
ويبدو انها ستلجأ الى نفس الخيارات في هذه السنة ايضا، خصوصا اذا لاحظنا التوجه العام لديها، والذي لم يصل بعد الى اعتماد الخيارات الاستراتيجية الكبرى كتحلية مياه البحر او استجلاب السحاب او حتى استيراد المياه من دول مجاورة.
في الوقت نفسه تواصل الحكومة في سياسة الترشيد، التي اعتمدتها السنوات الفارطة، والتي تكثفت خلال السنة الماضية تحديدا وقطعت فيها أشواطا كبيرة، فقد دعا وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، عبد المنعم بلعاتي، أول امس الجمعة، القطاع الخاص وكل مستهلكي المياه الى «الانخراط في خطة ترشيد استهلاك الماء نظرا للوضعية المائية الصعبة التي تمر بها تونس في السنوات الأخيرة» مذكرا بأن السدود سجلت أدنى كمية مياه سنة 2023 بلغت 22 بالمائة.
وشدد بلعاتي، خلال اليوم الوطني التحسيسي حول ترشيد استهلاك الماء، بمقر الوزارة، على «ضرورة ترشيد استهلاك الماء في جميع القطاعات المستهلكة بما في ذلك الفلاحي والسياحي والصناعي والمنزلي، باعتباره من أهم آليات الضغط على الطلب المتزايد».
وأضاف الوزير، ان «الوزارة ستتخذ الإجراءات اللازمة لترشيد الاستهلاك وترسيخه خاصة لدى الناشئة لأنه أقل كلفة من تحلية المياه ومعالجتها وغيرها من وسائل تعبئة الموارد المائية غير التقليدية او الحد من تأثيرات التغيرات المناخية».
من هنا يتضح ان الحكومة تعي جيدا خطورة الوضع المائي، لكن بالمقابل لا حلول لديها على الاقل في الوقت الراهن الا مواصلة الضغط على الاستهلاك حتى يصل حدوده الدنيا، في انتظار ان تتغير العوامل المناخية الى الاحسن ربما، وهو ما ينتظره الفلاحون بالخصوص الذين يتفاءلون عادة بفصل الربيع الممطر.
واذا كان الوزير قد تحدث خلال هذا اليوم التحسيسي عن اجراءات قال ان الحكومة تنوي الشروع فيها كتعميم التجهيزات المقتصدة في الماء «وجمع مياه الامطار والصيانة الوقائية للشبكات وحفر الآبار وتغيير سلوك المستهلكين للمياه» الا انه أشار ايضا الى ان الحكومة ماضية في البحث عن الخيارات البديلة، فضلا عن «تنمية مصادر جديدة للماء غير تقليدية كتحلية مياه البحر وإعادة استعمال المياه المعالجة واستغلال الطاقات المتجددة لتخفيف البصمة الكربونية وتقليص كلفة الإنتاج». كما قال في كلمته التحسيسية.
وأوضح بلعاتي أن «خطة ترشيد استهلاك الماء» قد حددت وفق منشور حكومي يوم 6 مارس 2024 وتشمل القطاع العمومي، وترتكز اساسا على تعميم التجهيزات المقتصدة في الماء وجمع مياه الأمطار والصيانة الوقائية للشبكات وحفر الآبار وتغيير سلوك المستهلكين للمياه.
ولا شك ان وضعية المياه وحالة السدود ونقص الارتواء كلها عوامل تؤثر سلبا على الانتاج وعلى الاقتصاد الوطني، وهي أزمة تسير نحو مزيد التفاقم، مضافة الى أزمات اخرى تحاول الحكومة بكل الطرق تفاديها، لكن لا يبدو ان تجاوزها سيكون سهلا.
الاطمئنان على الصابة يبدأ الان : توفير البذور وجودتها.. الضمانة الحقيقية لأمننا الغذائي
مع بدء استعداد الفلاحين للحرث والبذر، بدأت الحركية تدب في الهياكل الفلاحية بمختلف أنواعها،…