الفلسطينيون في رمضان يتحدّون الصهاينة ويقولون لنا و للعالم : «نحن في الحرب، بخير.. طمّنونا عنكم.. !»
ارتفعت حصيلة شهداء شعب الجبّارين إلى زهاء 32 ألف شهيد في أول أيام رمضان إلى جانب أكثر من 70 ألف جريح وآلاف المفقودين دون أن ننسى حجم الدمار الهائل الذي أحدثه الكيان الصهيوني على أرض فلسطين المحتلّة منذ انطلاقة ملحمة طوفان الأقصى في غزّة فجر السابع من أكتوبر 2023.
بالجملة في القطاع، في المباشر على مرأى ومسمع العالم الذي يقف للأسف متواطئا أو متفرّجا أو مساندا باحتشام للشعب الفلسطيني رغم أن الشرائع والأعراف والقوانين الدولية تجرّم الإبادة وسياسة الأرض المحروقة التي ينفّذها جيش الاحتلال تحت قيادة نازية وفاشية تجاوزت جرائمها ما ارتكبه هتلر وموسيليني وعتاة العنصرية عبر التاريخ البشري.
يأتي كل هذا في الوقت الذي يرجّح فيه البعض التوصّل إلى هدنة أو إلى مجرد ترتيب لـ«عملية» تُسمى أيضا «خطة» طال انتظارها، لوقف العمليات العسكرية وتبادل الأسرى وفرض مربع لتحرك المقاومة الفلسطينية ومقايضتها بإنقاذ حياة من تبقى من الفلسطينيين على قيد الحياة، تحت قيادة مرنة في المستقبل كي لا نقول خاضعة للعدو وحلفائه بذريعة القضاء على حركة حماس الإسلامية وفصائل المقاومة الوطنية واليسارية المسلّحة.
لكنّنا وبالرجوع إلى معادلة الربح والخسارة والنصر والهزيمة، ليس أمامنا من خيار سوى الإقرار بانتصار شعب الجبّارين وفشل العدو كي لا نقول بداية نهايته ونهاية النظام العالمي الذي أوجده وضمن استمراره على مرّ العقود.
إننا أمام حرب مفتوحة وطويلة ـ هي الأطول في تاريخ الحروب بين العرب والصهاينة ـ وتدور اليوم بين حركة مقاومة وطنية وجيش نظامي هو الرابع في تصنيف الجيوش في العالم، مدعوم من الجيش الأول حيث لم يعد خافيا أن غرفة إدارة هذه الحرب في الكيان الصهيوني هي بيد الأمريكان حكاما مدنيين ومسؤولين عسكريين إضافة إلى أرض المعركة ذاتها، التي يسيطر فيها العدو على البر والبحر والجو فيما تختلط جينات بواسل المقاومة بهذه الأرض فتُنبت البشر والشجر والنصر.
وبعيدا عن العاطفة ليس أصدق في تقديرنا من مقولة المبدع اللبناني خالد الهبر الذي كتب وغنّى الرسالة التالية للعالم:«نحن في غزة بخير طمّنونا عنكم.. نحن في الحرب بخير ماذا عنكم أنتم.. عدوّنا أمامنا ومازلنا نقاوم».. وبالفعل إن لحظة 7 أكتوبر منعرج في التاريخ الحديث، وما حقّقه الشعب الفلسطيني ليس بالأمر الهيّن على جميع الأصعدة بدءا بالمستوى العسكري الذي مرّغ فيه بواسل المقاومة الفلسطينية أنف الجيش الصهيوني المدعوم أمريكيا وغربيا في وحل غزة، وصولا إلى المستوى الاقتصادي الذي اهتزّ فيه الكيان والإدارة الأمريكية والمحور الرأسمالي برمته المورّط أيضا في الحرب الروسية الأطلسية في أوكرانيا، مرورا بالمستويات القانونية والسياسية والأخلاقية التي كان فيها النصر بيّنا ليس لصالح الإنسان الفلسطيني فقط وإنما للإنسان عموما على وجه هذه الأرض.
صحيح أن الكلفة كانت باهظة لتحقيق هذا الانجاز وأن عدد الشهداء الذين ارتقوا والجرحى والمفقودين والدمار الشامل منذ بداية طوفان الأقصى بل وقبله منذ شروع العصابات الصهيونية في إقامة كيانهم على الأرض الفلسطينية مطلع القرن الماضي كبير ومؤلم، لكن قدر الشعوب العظيمة أن تكتب التاريخ بالدم وتصنع المجد بالدم وتبني دولها وتجاربها بالدم أيضا وهو ما اختاره الفلسطينيون رغم بعض الكبوات ورغم ظلم ذوي القربى والدور السلبي للقوى العظمى التي استفادت من اختلال موازين القوى للتمادي في الكيل بمكيالين وإلحاق الأذى بالأبرياء.
اليوم، ونحن نتأمل في المشهد، نحن الذين لم يرتق دورنا إلى المطلوب منّا انتصارا لفلسطين وللإنسان، نخجل من أنفسنا وننحني لهذا الشعب الذي دشّن شهر الصيام بنفس العزيمة وبنفس الإصرار على عدم التراجع قيد أنملة بما أن الأمر يتعلّق بصراع وجود مع العدو.
وتأتي الصور في المباشر من غزة والقطاع ومن عموم فلسطين لأسر وأفراد يتقاسمون رائحة الأكل والماء مثلما يتقاسمون رائحة الموت على أيدي العدو، يفعلون ذلك بكل عزّة نفس، وهو أمر يليق بهم كيف لا وهم يعطون لنا وللعالم دروسا على مدار الساعة في التضحية والصمود والصبر والمقاومة، أكثر من ذلك، إنهم يسألون عن أحوالنا وإن كنّا بخير، فهل يهزم شعب بهذه العقيدة وبهذا التشبّع والتشبث بالحياة وبالكرامة المتأصلة في بني البشر؟.
إن فلسطين اليوم ليست موضوعا إنسانيا رغم الأبعاد الإنسانية فيها، ولا يجوز البتّة أن نختزل ما يحدث على هذه الرقعة من الأرض في أزمة غذاء ووقاية من البرد وتضميد للجراح ودفن للشهداء وتبادل للأسرى بحجة إيقاف النزيف كما أسلفنا فالنزيف لن يتوقف ما دام المتسبب فيه على نفس الدرجة من الشراسة والفاشية والتمرد على القانون بكل تفريعاته والقيم بكل معانيها.
إن العالم ومن ضمنه العالم العربي مدعوّ إلى مراجعة حساباته وإنصاف الفلسطينيين لان استمرار انتهاك الحق الفلسطيني هو استمرار لانعدام السلم والأمن في المنطقة وفي العالم أيضا.
وها هي الشعوب في العالم بدأت تدرك هذه الحقيقة وتهبّ إلى الشوارع والساحات لتنتصر لفلسطين.
وللفلسطينيين فوق كل هذا أكثر من سلاح فتّاك بالعدو، وأهم هذه الأسلحة على الإطلاق الوحدة الوطنية وهي الصخرة التي ستنكسر عليها كل المشاريع التصفوية وتتبخر بحكم الاصطدام بها أحلام العدو وتتبدّد أساطيره.
التشخيص والتوصيف متّفق عليه : كيف سيتمّ إنقاذ المؤسسات العموميّة؟
أشار وزير النقل رشيد عامري مطلع الأسبوع الجاري بأن برنامج مراجعة شاملة لشركة الخطوط التونس…