تحتفي نساء تونس اليوم على غرار نساء العالم باليوم العالمي للمرأة الذي بات حدثا سنويا منذ 112 عام وكان نتيجة حراك عمالي لأكثر من 15 ألف امرأة عام 1908 خرجن في مسيرة احتجاجية بشوارع مدينة نيويورك الأمريكية، وطالبن بتقليل ساعات العمل وتحسين الأجور والحصول على حق التصويت في الانتخابات. واعتمدت الأمم المتحدة رسميا الاحتفال باليوم العالمي للمرأة عام 1975، حيث دأبت على اختيار موضوع له كل عام.

وتمكنت النساء التونسيات بعدما نالت البلاد استقلالها في 20 مارس من العام 1956، من نيل جملة من الحقوق والامتيازات المدنية التي تضمنتها سلسلة من التشريعات القانونية الرامية إلى تحقيق المساواة بين النساء والرجال، وهي التشريعات التي تعرف بمجلة الأحوال الشخصية.

وما تزال تونس رغم ما حققته من مكاسب، وما تميّزت به على عديد البلدان من خطوات في مجال تطوير حقوق المرأة استنادا لمقاربة شاملة قوامها المساواة وتكافؤ الفرص، تتقدم في سنّ التشريعات والقوانين الضامنة لهذه الحقوق ولاسيما حقها في المساواة الفعلية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وتأييد تواجدها في مراكز القرار بمختلف مستوياتها.

وإذا كانت المرأة بشكل عام قد انتزعت العديد من حقوقها في مجال التعليم والصحة والعمل وغيرها إلا أن واقعها مازال يعاني الكثير من الشوائب وتظل الدولة ومؤسساتها عاجزة أمامها ولعل أبرزها مشكلة العنف ضد النساء ولم تتمكن من القضاء عليها أو حتى وضع حدّ لها.

ولا يمكن تجاهل ما بذلته تونس من جهود لمناهضة هذه الظاهرة ووضعت قوانين واستراتيجيات بمشاركة أطراف مجتمعية عدة أحيانا عندما خطت تونس خطوةً واسعة من أجل وضع حد لإفلات مرتكبي الجرائم ضد النساء من العقاب بعد المصادقة على قانون القضاء على العنف ضد المرأة سنة 2017 وهو تشريع جاء في سياق ارتفاع وتيرة التحديات التي تواجه النساء التونسيات.

ولكن ومنذ أن سنّ القانون رسميًّا، يتساءل المتابعون للشأن النسوي في البلاد عن مدى تطبيقه على أرض الواقع. فهذا القانون لا يتعلق فقط بالزجر والعقاب لمرتكبي الجرائم الجنسية، إنما ينص كذلك على ضرورة التوعية والوقاية من العنف في الفضاء العام وداخل الأسرة.

ومن الطبيعي أن مثل هذه القوانين تحتاج إلى إمكانيات بشرية ومادية ضخمة وتكوين إطارات تتكفل بالمهمة قد لا تقدر عليها الدولة التونسية في ظل وضعها الاقتصادي الصعب.

وكل الخوف من أن يتحول هذا القانون إلى مجرد شعارات وفقط حبر على ورق كالعديد من الخطط والأفكار والهيئات الجديدة التي أرستها قوانين ما بعد الثورة لدعم الحقوق والحريات.

إن تكريس مبدإ المساواة بين الرجل والمرأة في تونس يعود إلى دستور 27 جانفي عام 2014، الذي يعترف في ديباجته بدور المرأة التونسية في بناء الأمة. كما يتضمن مبدأ «مساواة جميع المواطنين في الحقوق والواجبات».

وتنص المادة 21 الواردة في باب الحقوق والحريات على أن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات وهم متساوون أمام القانون دون تمييز وتكفل الدولة للرجل، والمرأة الحريات، والحقوق الفردية والجماعية وتوفر لهم الظروف لحياة كريمة.

ولكن ما أبعد ما تضمنه القانون عن الواقع وخاصة للاتي لا يظهرن على شاشات التلفزيون ولا يتلقين دعوات للمؤتمرات ولا الندوات حول وضع المرأة ولا يذهبن لملتقيات الحكي النسوي، ولا يعرفن المناصب ولا تُلقى على وجوههن أضواء الكاميرات، ولا يجلسن أمام ميكروفونات لطرح أفكار وحلول ومخاوف.

هن المنسيات في الحقوق الحاضرات في الانتخابات والتصويت والتعبئة والشعارات، فكل عام نتذكر رائدات الحركة النسوية في تونس والمتميزات محليا ودوليا واللواتي قدمن الكثير حتى أصبحت المرأة التونسية مثالا يحتذى به في العالم ـ وهن جديرات بالتذكر ـ، ولكن هناك فئة من النساء المنسيات أكثر بطولة ويستحققن التذكر في عيدهن العالمي لأن النساء في المناطق البعيدة عن العاصمة يعانين التهميش والعنف أكثر من غيرهن ولا يجب أن يسلط الضوء على هذه الفئة من المجتمع فقط في مناسبات لتستغل في حملات انتخابية أو تعبئة بعيدا عن محاولة إخراجهن من واقعهن والعمل على تمكينهن من حقوقهن التي سنّتها القوانين والتشريعات، حيث مازالت النساء الريفيات في تونس بالرغم من وجود قوانين تحميهن من التمييز في الأجور، فإن المئات منهن يتعرضن إلى سوء المعاملة إلى جانب التخفيض المستمر لأجورهن خلافا للقانون الذي يضبط الأجر الذي يتلقاه الفلاحون.

أضف إلى ذلك الأخطار الصحية التي يتعرضن لها نتيجة ظروف العمل القاسية أو خطورة وسائل المواصلات التي تنقلهن إلى المزارع، وقد سجل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عشرات من الحوادث التي طالت العاملات في الزراعة خلال السنوات الأخيرة.

إن الاحتفال باليوم العالمي للمرأة لا يجب أن يبقى مجرد احتفال سنوي لا يأتي بالجديد لهذه الفئة وإنما من الضروري أن يكون مناسبة لتنازع وتجاهد من أجل التمتع بحقوقها التي سنّتها التشريعات على أرض الواقع وأن لا تظل المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات وحق المرأة في المشاركة الفعلية في الحياة السياسية وتنصيبها في مراكز القرار مجرد شعارات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

رئيس الغرفة الوطنية لتجار الدواجن واللحوم البيضاء ابراهيم النفزاوي لـ«الصحافة اليوم» : أزمة اللحوم البيضاء في اتجاهها للإنفراج

تعرف الأسواق التونسية خلال الآونة الأخيرة اضطرابا في التزوّد باللحوم البيضاء أرجعها رئيس ا…