في قضية الشهيدين بلعيد والبراهمي وغيرهما.. العلنيّة أهم ضمانة للمحاكمة العادلة.. !
عاد الجدل بقوة هذه الأيام حول مبدإ العلنيّة في المحاكمات الجزائية وتحديدا في محاكمة قتلة الشهيدين شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي، وبلغ الأمر حدود إصدار هيئة الدفاع بيانا تعلن فيه مقاطعة جلسة مقررة ليوم الثامن من مارس 2024 احتجاجا على استمرار منع التغطية الإعلامية للمحاكمة في الوقت الذي تتوجب فيه إنارة الرأي العام لأننا إزاء قضية من العيار الثقيل كانت لها وما تزال انعكاسات كبرى على التجربة التونسية خلال العقد الأخير.
وتؤكد هيئة الدفاع عن الشهيدين في هذا الإطار على أن المحاكمة يجب أن تكون في إطار علني يسمح للرأي العام المحلي والدولي بأن يواكب مسارها ويعلم بتطوراتها ولا يتم ذلك بطبيعة الحال إلا من خلال حضور الصحافيين وكذلك ممثلي منظمات المجتمع المدني وكل من هو معني من قريب أو بعيد بالحضور.
وتخشى الهيئة من أن يؤدي استمرار عزل هذه المحاكمة عن الرأي العام إلى إخلال بأحد أركان المحاكمة العادلة وهو ركن العلنية الذي هو ضروري في ما اعتبرته «جريمة القرن في تونس».
إن ما طرحته هيئة الدفاع عن الشهيدين والذي نأمل أن تتفاعل معه الجهات المعنية بشكل إيجابي، وجيه إلى أبعد الحدود للعديد من الاعتبارات.
وأول هذه الاعتبارات ما توافق حوله رجال القانون أنفسهم حين أقرّوا بأن الجلسات العلنية تهدف إلى ضمان إشراف الجمهور على عمل القضاة مما يؤدي إلى خلق نوع من الرقابة الشعبية المباشرة على الأعمال القضائية، وهذا الأمر يؤدي إلى رفع مستوى المحاكمات ويعطيها نوعا من القدسية والاحترام وهو ما ورد بوضوح في عديد الدساتير الوطنية وكذلك في المعاهدات والمواثيق الدولية ونذكر على سبيل المثال هنا الفصل العاشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يقول صراحة : «لكلِّ إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحقُّ في أن تَنظر قضيتَه محكمةٌ مستقلَّةٌ ومحايدةٌ، نظرًا مُنصفًا وعلنيًّا، للفصل في حقوقه والتزاماته وفى أيَّة تهمة جزائية تُوجَّه إليه».
ويذهب البعض إلى حد اعتبار علنية المحاكمات حقا من حقوق الإنسان الأساسية التي تمكّن من إشباع الشعور بالعدالة والثقة في الجهاز القضائي الذي يصدر الأحكام باسم الشعب.
ثانيا، لقد انطلق البت في ملف الشهيدين شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي منذ 30 جوان 2015 وكانت يومها جلسة عادية حظيت بترتيب خاص في فضاء قصر العدالة بالعاصمة وحضرها جمهور كبير من الإعلاميين ومن ممثلي المجتمعين المدني والسياسي واستبشر الجميع حينها بأن مساءلة ومحاسبة مقترفي «جريمة الدولة» في تونس قد انطلقت وان علنيتها هي شرط من شروط عدالتها من أجل كشف الحقيقة.
وللأسف طال زمن المحاكمة وتقاطعت الأزمنة القضائية والسياسية والانتخابية وصار الخوف من التوظيف ومن إفلات البعض من العقاب، دون أن ننسى أن طول أمد المحاكمات يضرب في العمق عدالتها ونزاهتها.
ثالثا، صحيح أن القانون نفسه، وفق بعض القراءات، يعطي لسلطة الإشراف والجهاز القضائي الحق في الحدّ أو حتى التراجع عن مبدإ علنية المحاكمات إذا اتصل الأمر بـ«الأمن القومي» و«المصلحة العامة» أو «العليا للوطن» وهذه مفردات فضفاضة يسهل تأويلها وتكييفها على المقاس وفق الظروف وحسب أهواء من هو ممسك بدواليب الحكم لذلك نحتاج اليوم إلى توضيح الإجراء الذي تم اتخاذه والذي لم يعد له ما يبرّره وفق هيئة الدفاع ووفق طيف واسع من المهتمين بمواكبة هذه المحاكمة التاريخية بكل المقاييس.
رابعا، من المفارقات أن نقرّ بأن قضية اغتيال الشهيدين شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي إلى جانب عدد كبير من القضايا والملفات المتعلقة باستهداف بواسل المؤسسة العسكرية والأمنية وكثيرا أيضا من ضحايا الإرهاب من المدنيين في بلادنا زمن هيمنة الإسلام السياسي، هي قضايا وملفات رأي عام وهي حجر الزاوية في أي عملية مصالحة في المجتمع التونسي الذي قسّمه الإسلاميون ذات يوم بين مؤمنين وغير مؤمنين، وبالتالي من حق التونسيين اليوم ونحن نعيش في مناخ أقل ما يقال فيه أنه غير سليم وتكبّله أزمة مركبة جاثمة، أن يقفوا على تفاصيل الجرائم التي استهدفت أمنهم وحقوقهم وأحلامهم وأن يتأكدوا من أن مقاضاة من أجرموا في حقهم تتم في كنف العدالة وعلى أيدي جهاز قضائي مستقل.
في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!
تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…