2024-03-07

مؤشرات عديدة تنذر بانهياره كما يؤكد الخبراء : القطاع الإعلامي في تونس في حاجة إلى «مشروع انقاذ»..!

يطرح الجدل الذي أثارته قناة فرنسية بعدما بثت تحقيقا خاصا يتحدث عن تونس في هذه المرحلة، تساؤلا حول أسباب الاهتمام المفرط من التونسيين بمضامين القنوات الأجنبية، الامر الذي لا ينطبق على وسائل الاعلام المحلية… وبالتالي يذهب الخبراء في الاعلام الى توصيف هذه الظاهرة بغياب الثقة في الاعلام التونسي.
ويمكن القول ان مثل هذه التحقيقات لا تستجيب بدرجة كبيرة الى معايير الحياد والموضوعية والمهنية التي يجب ان يلتزم بها الاعلام. كما ان نداءات عدد من الصحفيين التونسيين بارجاع مؤسسة وكالة الاتصال الخارجي على سبيل المثال وإعادة النظر في الهيكلة والتكوين وغيره تندرج في اطار ضرورة رد الدولة على مثل هذه المضامين.
ويحتاج الامر في تقديرنا الى ما هو أدق وأعمق، الى مؤسسات اعلام تونسية قوية ومهنية يمكن ان تقدم محتوى اعلاميا يعكس الحقيقة كما هي ويقطع مع الرداءة ويملأ الفراغ الذي تملؤه مؤسسات الإعلام الأجنبي المتربصة ببلادنا والتي لها أجنداتها دون ان ننسى ضرورة النهوض باوضاع الصحافيين الهشة وتأمين مستقبل مؤسساتهم خصوصا وأن بعضها على وضع الغلق والافلاس والبعض الآخر اختار مسايرة الجمهور بإعلام الإثارة و”البوز”.
وبالنظر الى وضع الاعلام في تونس منذ 2011 الى اليوم ونتيجة سلوك منظومات الحكم المتعاقبة فاننا نجد انه يعاني ازمة جذرية تهدد بانهياره التام وعجز عن الاضطلاع بوظيفته حسب تقدير عدد من الخبراء والمختصين والمهنيين، رغم حالة الحرية غير المسبوقة.
ومنذ وقت قصير، حذرت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين من “أزمة هيكلية عميقة” متفاقمة في قطاع الإعلام تهدد مهنة الصحافة في وجودها، في ظل أزمة مالية وإدارية تضرب أغلب المؤسسات العمومية والخاصة.
وذكرت النقابة أن “الأزمة تهدد بحرمان التونسيين من خدمة عامة سيادية، لا يمكن أن تنجح أي تجربة ديمقراطية دونها”.
والمفارقة، انه امام هذه الازمة المتفاقمة والمستمرة لاكثر من 10 سنوات، لم تبادر كل الاطراف المعنية سواء الهياكل المهنية أو الدولة، على حد سواء، بتقديم مشاريع جدية لاصلاح الاعلام وانقاذه وتطويره، واقتصرت المسألة على بعض الاقتراحات التي لم ترتق الى برنامج شامل قابل للتحقيق.
ولعل المبادرة التي تقدم بها نواب في البرلمان مؤخرا حول مقترح قانون يدعم الإعلام ماديا ومهنيا، من خلال احداث “صندوق دعم استقلالية وسائل الإعلام وجودة مضامينها”، وضبط شروط وطرق تدخّله، يمثل احدى المبادرات الجدية التي تصب في هذا الاتجاه لإخراج الاعلام من أزماته المزمنة منذ سنوات والتي أفقدته ثقة الجمهور وتأثيره على الرأي العام.
وفي اجابته على سؤال :هل نحن اليوم بالفعل امام انهيار تام للمنظومة الاعلامية؟، يقول أستاذ الاعلام والاتصال والباحث الصادق الحمامي في حديثه لـ”الصحافة اليوم”، ان “انتشار الاعتماد على وسائل الإعلام الأجنبية للحصول على الأخبار يعكس فشل وسائل الاعلام المحلية في تقديم خدمة إعلامية مرضية”.
وقد طرح الحمامي هذه المسألة في دراسته حول “انهيار النظام الإعلامي التونسي: المظاهر والمصادر والنتائج”. حيث ابرز في هذه المقاربة ان هناك مؤشرات تدل على أن هذا النظام أصبح عاجزا عن تحقيق الوظيفة التي أنشئ من أجلها وهي تقديم خدمة برامجية إخبارية، معتبرا أن انهيار النظام الإعلامي يعني انهيار نظام أساسي في المجتمع.
وعن هذا الطرح يفسر الاستاذ الصادق الحمامي، ان انهيار النظام الإعلامي يتمظهر من خلال غياب اي مؤشرات جدية للإصلاح، ويقصد بذلك اصلاح الاعلام العمومي على المستوى التنظيمي والإداري والحوكمة والإنتاج الدرامي وتنظيم التحرير ورقمنة الاعلام العمومي…
وبين الحمامي انه لا يوجد مؤشر لإنقاذ قطاع الصحافة المكتوبة بوضع صناديق لدعم شفاف وديمقراطي كما حصل في كل دول العالم، مشددا ان “الدولة تنظر الى الصحافة المكتوبة تموت ولا تحرك ساكنا”.
ويتابع : “لا توجد اي مؤشرات لتنظيم القطاع السمعي البصري اذ ان هناك اذاعات تقوم باشهار لوكالة اشهار وهذا ممنوع بالقانون، وبالتالي القنوات الاذاعية والتلفزية الخاصة انحرفت عن مهامها…ولا توجد مؤشرات لوضع منظومة لتدريب الصحفيين. وتغيب مؤشرات لحماية الصحفيين من حالات التهميش الاجتماعي، فضلا عن ان المهنة أصبحت مستباحة واي شخص يصبح صحفيا.
ومن بين المؤشرات الخطيرة أيضا على ممارسة المهنة الصحفية، “عودة الرقابة والصنصرة الذاتية”.
ويتلخص انهيار المنظومة الإعلامية حسب تقدير الصادق الحمامي في محورين اثنين وهما :عجز الصحفيين عن أداء مهامهم، وعدم قدرة المواطنين على تلقي خدمة إخبارية محترمة.
ويمكن اعتبار سبب تفاقم مؤشرات انهيار المنظومة الإعلامية، في غياب سياسة عمومية منذ سنوات، لذلك تحتاج تونس إلى جهود مشتركة من الحكومة والهيئات المهنية والمجتمع المدني للعمل على تحسين وضع الإعلام، وتدعيم دوره في تعزيز الديمقراطية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

بعد حسم الجدل حول الفصول الإضافية: إحالة مشروع القانون إلى  الغرفة الثانية في أوّل اختبار للعمل المشترك..

واصل مجلس نواب الشعب يوم أمس مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2025، حيث صوّت على الفصول الإ…