«غزوة منوبة» وملحمة بنقردان : ذكرى انتصار الدولة المدنية.. على «الأوهام السلفية»..!
تمر غدا الخميس 7 مارس 2024 الذكرى الثامنة لملحمة بنقردان التي أجهض فيها الجيش والأمن والشعب في تونس أضغاث أحلام الإرهابيين في إقامة إمارة داعشية على أرضنا عام 2016، وهي الذكرى الـ12 أيضا لما سمّي حينها «غزوة منوبة»، يوم تجرّأ أحد السلفيين على سحب الراية الوطنية من بوابة كلية الآداب بمنوبة لوضع تلك الخرقة السوداء فتصدّت له شابة تونسية تدعى خولة الرشيدي.
وقبل هذا التاريخ وبعده، احتدّت الحرب على الإرهاب والمعارك مع الارهابيين، ودفع التونسيون ثمنا باهظا في الأرواح أوّلا، في صفوف المدنيين والعسكريين والأمنيين وحتى السياح الأجانب، وثانيا في تعثّر تجربتهم الديمقراطية بعد ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة وتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المركّبة.
وخلافا لما قد يذهب إليه البعض من أن الحرب انتهت وأن المعركة حُسمت لصالحنا فإن عديد المؤشرات تفيد باستمرار التحدي وتُنبّه الى ضرورة اليقظة والثبات والاستباق أيضا ليس لأن التكفيريين والإرهابيين والمتشدّدين و«الإسلاميين» بيننا وفيهم للأسف من هم من أبناء جلدتنا ولم نعد نلحظ وجودهم بالمكشوف وفي العلن، ولكن لأن الجهات والمحاور الإقليمية والدولية الداعمة لهم والموظّفة لطاقاتهم ما تزال على نفس المسافة منّا، ومنهم، فنحن خصومهم وأعداؤهم، وهم حلفاؤهم وأدواتهم لتنفيذ مخططاتهم تحت يافطات متعدّدة منها نشر الإسلام – وكأننا في الجاهلية – ومنها أيضا تعزيز الديمقراطية والتصدي للديكتاتورية وغيرها من الأساطير التي لم تعد تنطلي على أحد.
إن محور حلفاء الإرهابيين لا علاقة له بالديمقراطية ولا علاقة له بالاسلام، ولنا في سلسلة جرائم الارهابيين في الميدان أكثر من دليل، علاوة على الفرز الحاصل الآن في علاقة بالصراع مع الكيان الصهيوني فتجّار الدين اليوم وكذلك العواصم التي أغدقت المال على الجماعات التكفيرية تتواطؤ بالصمت والسلبية ودعم العدو بحجج واهية.
ولعل من أبرز مظاهر النفاق في هذه العواصم دعم ما يعرف بالجماعات الإسلامية المتشدّدة المسلّحة في سوريا على سبيل المثال وفي كثير من الدول، في الوقت الذي تُصنّف فيه فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية الإسلامية وغير الإسلامية على حد سواء «منظمات إرهابية»..!.
ليس ذلك فحسب، عندما نتأمل في الأسلحة التي يتم حجزها بعد تصفية الإرهابيين هنا وهناك أو تلك الألغام المزروعة في أرضنا وأجهزة الاتصال والتنصّت التي يستخدمها الإرهابيون، نصطدم بكونها أسلحة متطورة مصنّعة وقادمة من هذه العواصم التي تدّعي صداقتنا وتُروّج خطاب الحرب على الإرهاب.
إن الحرب على الإرهاب متواصلة والمعارك مع الإرهابيين يجب ان تستمر، وأن نطوّر استراتيجيتنا في هذا المجال وها نحن نسمع بين الفينة والأخرى عن التقدم من جانب السلطة في هذا المجال في غياب وتراخي المجتمع المدني والسياسي صراحة وخصوصا القوى التقدمية التي تكبّدت أكثر من غيرها عبء هذه الظاهرة وفقدت رمزين من قادتها وهما الشهيدان شكري بالعيد والحاج محمد البراهمي.
وحسنا فعل وزير الدفاع على سبيل المثال قبل يومين بتكريم مجموعة من بواسل مؤسستنا العسكرية الذين أبلوا البلاء الحسن في هذه الحرب الدائمة على الإرهاب في محيط جبال الشعانبي وجهة القصرين التي اتخذتها الجماعات الإرهابية جبهة متقدمة لنشاطها منذ 2011 وتنامي نشاط جماعات الإسلام السياسي الذي أحكم قبضته على البلاد والعباد ووفّر البيئة الحاضنة للعنف والارهاب والاغتيال السياسي.
وبالإضافة الى ذلك فقد أحرزت المؤسّسة الأمنية إنجازات مهمّة خلال الفترة الماضية من خلال كشف عديد الخلايا الإرهابية وإيقاف كثير من المشتبه بهم أو المحكوم عليهم أو الصادرة في شأنهم مناشير تفتيش وهو ما يعكس التقدم في تعافي المؤسسة وجاهزيتها التي يجب ان تتعزز خصوصا في هذا الظرف بالذات الذي تحصل فيه تطورات كثيرة في الجوار وفي العالم علاوة على ان الجماعات الارهابية غالبا ما تستغل المناسبات الوطنية والدينية لتسجيل حضورها وهو ما حصل في تونس خلال السنوات الماضية.
وهذه الأيام، ونحن نحيي ذكرى ملحمة بنقردان وفشل «غزوة منوبة»، ونستعد بالخصوص لاستقبال شهر رمضان وبعده الاحتفال بعيد الاستقلال يوم 20 مارس، مدعوون للحذر والانتباه والاستباق.
وهذه المناسبات تدفعنا أيضا لطرح موضوع الاستراتيجية الوطنية للحرب على الإرهاب التي يجب أن تكون نتاج حوار وطني ليس بقوالب وأشكال الماضي فقط، ولكن بمقاربة جديدة شاملة وتشاركية حيث يتقاطع فيها الأمني والعسكري والثقافي والفني والتربوي والاقتصادي والاجتماعي وغيره، وتتحمّل فيها جميع الأطراف مسؤوليتها التاريخية للحفاظ على الطابع المدني للدولة وعلى تكوين الناشئة على قيم المواطنة الحقيقية وعلى الحداثة والانتماء للجمهورية الديمقراطية الاجتماعية التي تحقّق الحرية والكرامة التي ينشدها التونسيون.
في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!
تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…