2024-03-06

في الشأن التربوي : معايير الفاعلية والنجاعة في المنظومات التربوية

تأخذ مسألة تقييم المنظومات التربوية حجما هاما من البحوث التربوية اليوم في علاقة بالإصلاحات التربوية في عديد المنظومات تجاوبا مع ما يجري في العالم من تحولات متسارعة في كل المجالات .

ويتناول التقييم المنظومة برمتها أحيانا وأحيانا أخرى بعض مكوناتها بهدف تحسين أدائها ومعالجة نقائصها من عدة أوجه. ويهدف تقييم المنظومات التربوية إلى الإجابة على سؤالين أساسيين اعتبرهما البنك الدولي من المفاتيح  في هذا الإطار: ما مدى فعالية المنظومة ؟ وما مدى نجاعتها ؟ وحول هذين السؤالين سيتمحور مقالنا هذا الأسبوع .

يرتبط مفهوم الفاعلية أو الفعالية efficience في تقييم المنظومات التربوية بتقييم مدى تحقيقها لأهدافها التي وضعتها وتعمل من أجلها . فلكل منظومة رؤية خاصة بها تعتبر بمثابة خريطة الطريق التي تسير عليها في الواقع . ولتقييم الفاعلية نحتاج إلى معرفة نسبة تحقيق المنظومة أهدافها ونوعيتها وإبراز ما لم يتحقق منها ومعرفة الأسباب لمعالجتها ، كما نحتاج إلى معرفة أثر الأهداف التي تحققت على أداء المنظومة التربوية .

منظومة فعّالة

فالفاعلية تقيّم المخرجات وتعتمد على المؤشرات الكمية الأساسية في التقييم رغم أن الفاعلية تعتبر من المعايير التي تقيم الكيف نظريا ، فهي تعتمد في تقييم أداء المنظومة التربوية على مؤشرات من نوع عدد الخريجين ونوعية الشهادات التي حصلوا عليها كما تهتم بعدد الراسبين وعدد المنقطعين عن الدراسة . ويمكن أن ندقق في الفاعلية بأن ننتقل من الإحصائيات العامة إلى الإحصائيات الدقيقة التي بفضلها نحسن من فاعلية المنظومة التربوية وهذا التمشي يمكن أن يخرج بنا من تقييم الفاعلية في المنظومة التربوية إلى تقييم مدى تحقيقها العدالة والانصاف بين المتعلمين ، كأن ندقق في الخصائص الفردية والاجتماعية للخريجين أو للراسبين أو للمنقطعين لنستشف أسباب ذلك أو ندرس الموارد التي وضعناها على ذمة هؤلاء ومدى فاعليتها في تحقيق أهداف المنظومة. وأخيرا تقيم الفاعلية قدرة المنظومة على مواصلة نشاطها والاستمرار فيه وتطويره وفق التغيرات التي تواجهها .

منظومة ناجعة

وفي المقابل يرتبط مفهوم النجاعة efficacité بمدى نجاح المنظومة في توظيف الموارد التي خصصتها لنشاطها من ذلك الموارد البشرية والموارد المادية والمالية… ومدى نجاح التخطيط الذي اعتمد في ذلك وهل تم استعمال الموارد المالية مثلا  فيما اعتمدت له وحسب ما خطط له وبالنوعية المحددة  ؟ وما مدى كلفتها ؟  وتقيم النجاعة المدخلات  باعتماد المؤشرات الكمية أساسا والمعايير التي تقيم الكم فقد نعتمد مؤشرات كمية مثل النتائج المالية في علاقة بما هو مخطط له أو المؤشرات المادية الأخرى لتفسر في النهاية أداء المنظومة التربوية . لذلك يرى خبراء البنك الدولي في التربية أن تقييم النجاعة يمكن أن يعتمد المقارنة بين المدخلات  والمخرجات فهي دراسة وتحليل العلاقة بين نتائج منظومة تربوية أي مخرجاتها وبين الموارد التي سخرتها المنظومة للحصول على تلك النتائج .

ويمكن أن نميز بين نوعين من النجاعة الداخلية والخارجية . أما الداخلية فتتناول نسبة الخريجين مقارنة بعدد المسجلين في الدراسة . فمن سجلوا في السنة الأولى ابتدائي يجب أن نجد عددا كبيرا منهم حاصلين على الباكالوريا  بعد 13 سنة من الدراسة في التعليم المدرسي دون احتساب الراسبين . تلك النسبة هي النجاعة الداخلية للمنظومة . أما النجاعة الخارجية فالمقصود بها مدى حصول الخريجين على شغل بعد التخرج من التعليم العالي أو بالأحرى مدى استجابة التعليم الذي تلقوه لحاجيات سوق الشغل الوطنية من حيث أنواع المهن المتوفرة ومن حيث الكفايات المطلوبة في سوق الشغل ومن حيث البطالة ، وهل أن هؤلاء الخريجين بما يتمتعون به من مؤهلات قادرون على إفادة سوق الشغل والمجتمع أم لا ؟ ثم ونحن في عهد عولمة الاقتصاد هل لهم مكان في أسواق الشغل العالمية ؟.

وأخيرا  وفي كلا الحالتين فإن تقييم المنظومات التربوية باعتماد مؤشري النجاعة والفعالية أساسي لكن يبقى منقوصا لأنه علينا ألا نتغافل عن مؤشر آخر مهم في تقييم أداء أي منظومة هو تقييم مكتسبات المتعلمين المعرفية والمهارية والقيمية بعد قضاء فترة طويلة بالمدرسة للوقوف على مدى تمكنهم من الكفايات المتصلة بذلك. لذلك تلتجئ عديد المنظومات لتنظيم اختبارات موحدة للمتعلمين نهاية كل مرحلة يكون مدارها المعارف والمكتسبات الأساسية لتقييم مدى تمكنهم منها .

وأخيرا يمكن تلخيص مكانة المفهومين في تقييم المنظومة التربوية بعلاقتهما الوطيدة بمدخلات المنظومة من جهة ومخرجاتها من جهة أخرى . فلا يمكن الفصل بين المفهومين لأنهما  يلتقيان في نهاية المطاف في لوحة قيادة كل المنظومات التربوية  مما يساعد المشرفين عليها على التصرف فيها وتقييم أدائها مركزين عملهم أساسا على مؤشري الفعالية والنجاعة. وحتى يكون التقييم أكثر شمولية وفائدة لأي منظومة تربوية يمكن إضافة  مؤشري العدالة والانصاف عند التقييم  لمعرفة مدى تعبير المنظومة عنها ومدى الحرص عليها بين المتعلمين مما يسمح بتطور نتائجهم وبالتالي تحسن فعالية المنظومة ونجاعتها .

(❊) باحث وخبير في الشأن التربوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

في الشأن التربوي التوجيه الجامعي : مفتاح الأمل لمستقبل الناشئة، لم يعد يستجيب لتطلعاتهم ويحتاج إلى تقييم وتطوير

أغلق التلاميذ الذين اجتازوا امتحان الباكالوريا وعائلاتهم ملف الامتحان وصعوباته في انتظار ن…