في ظل غياب التعاون مع الصندوق النقد الدولي : تونس تنوع آفاق تعاونها مع بقية المؤسسات العالمية المانحة
في وقت تشهد فيه علاقات التعاون بين تونس وصندوق النقد الدولي فتورا, تحرص مؤسسات مالية عالمية أخرى على دعم براجمها الاقتصادية مع السلطات التونسية وتكثف زياراتها الى تونس مستغلة غياب تدخلات صندوق النقد الدولي في الساحة الاقتصادية بعدما توترت علاقة إدارته مع السلطات التونسية وصلت حد تصنيف تونس – ولأوّل مرة منذ انضمامها إلى الصندوق سنة 1958 – ضمن قائمة سلبية تضم الدول الأعضاء التي تأخّرت مشاوراتها بموجب المادة الرابعة أو تقييماتها الإلزامية للاستقرار المالي وتأجيل زيارته الى تونس المقررة في ديسمبر الماضي . ومع تواصل توتر الفتور بين تونس والصندوق, عمد البنك الدولي -في المقابل – الى تدعيم علاقاته الاقتصادية مع السلطات التونسية التى تجلت بوضوح في تواتر زيارة أعضاء إدارته الى تونس وتكثيف اللقاءات مع أعضاء الحكومة وتصريحات مسؤولي إدارة البنك الدولي بضرورة التعاون بين الطرفين من اجل دعم الاقتصاد التونسي. وقد جاءت آخر هذه التصريحات على لسان المدير الإقليمي لمنطقة المغرب العربي ومالطا بالبنك الدولي، جسكو هنتشل, الذي أكد استعداد البنك الدولي لدراسة مقترحات المشاريع التي تعتزم الحكومة التونسية تنفيذها في ضوء أولوياتها للمرحلة القادمة.
وقد جاء هذا التصريح خلال لقاء جمعه مؤخرا مع وزيرة الاقتصاد والتخطيط، فريال الورغي السبعي, خصص لاستعرض أبرز المحاور والمجالات التي سيتم التركيز عليها في المرحلة القادمة والتي تندرج ضمن الأولويات الوطنية على غرار الطاقات المتجددة والمياه وذلك في سياق تفاقم ظاهرة التغيرات المناخية والأمن الغذائي إضافة إلى محور دعم القطاع الخاص لاسيما المؤسسات الصغرى والمتوسطة.
من جهته أكد فريد بالحاج نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي يؤدي زيارة عمل الى تونس, في لقاء جمعه مع نبيل عمّار وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج عن استعداد هذه المؤسسة الدولية لدعم المشاريع مع تونس في المجالات الاجتماعية والاقتصادية من خلال إقرار حزمة تمويلات سنوية في إطار التعاون الاستراتيجي.
وفي هذه الزيارة, كشف بالحاج أنّ البنك الدولي سيضع على ذمة تونس بتاريخ 14 مارس، أكثر من 1622 مليون دينار (520 مليون دولار) يقع سدادها على عشرين عاما مع خمس سنوات إمهال وبنسبة فائدة تقدر بـ 5 بالمائة، منها ما ينهار 686 مليون دينار مخصّصة للبنية التحتيّة.
البنك الدولي الذي علق برنامج الشراكة والتعاون المستقبلي مع تونس في مارس 2023 إلى إشعار آخر وافق في جوان 2023 على استئناف شراكته مع الحكومة التونسية لمدة 5 سنوات وأعاد تفعيل برامج الشراكات والزيارات بقوة.
هذه الزيارات قال عنها بالحاج «انها لا تكتسي أي خفايا ولا كواليس» وهي زيارات عمل تندرج في إطار الشراكة القائمة بين البنك وتونس التي انطلقت منذ سنة تقريبا.
وفي حقيقة الأمر, لا يعد اهتمام البنك الدولي بتونس هذه الفترة «استثناء», فقد عمد البنك الأوروبي للتنمية وإعادة الإعمار أيضا الى تدعيم نشاطه مع السلطات التونسية. ومن اجل ذلك أدت مؤخرا رئيسة هذه المؤسسة المالية أوديل رينو باسو, زيارة الى تونس دامت يومين. وتندرج الزيارة – وفق قولها – في إطار بحث فرص دعم برنامج الإصلاح الاقتصادي والتنمية لتونس التي تعاني من أزمة اقتصادية.
وقد أكدت هذه المسؤولة – خلال لقاء جمعها بوزيرة الاقتصاد والتخطيط , فريال الورغي – «ان البنك الأوروبي للتنمية وإعادة الإعمار ملتزم بالعمل على دعم تونس في جهودها الإصلاحية ومواصلة المساهمة في تمويل المشاريع ذات الأولوية، بما يساعد على دفع النشاط الاقتصادي والرفع من نسق النمو وتحسين الأوضاع الاجتماعية».
ولئن يرى بعض الخبراء الاقتصاديين ان تواتر هذه الزيارات لهذه المؤسسات المالية الى تونس في فترة تشهد فيها ظروفا اقتصادية ومالية صعبة يندرج في إطار استمرارية التعاون بين هذه الأطراف وان الاستثمارات أو القروض التي تمنحها هاته البنوك تخصص معظمها لدعم مشاريع البنية التحتية ودعم المؤسسات الاقتصادية تنحصر في تنفيذ استثمارات طويلة ومتوسطة المدى تهدف الى خلق النمو وتحقيق التنمية المستدامة.
وفي المقابل حذر شق آخر من تواتر هذه الزيارات لاسيما غير المعلنة – كالتي قامت بها رئيسة البنك الأوروبي للتنمية وإعادة الإعمار- لانها تحمل في طياتها أهدافا غير معلنة يقع تغليفها بمسألة التعاون والشراكة موضحين ان هذه المؤسسات عادة تعمل بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي وان هدفها دعم برنامج الإصلاحات الاقتصادية بمقاييس صندوق النقد الدولي.
وعموما وفي ظل الصعوبات المالية التي تعيشها تونس جرّاء توقّف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وشحّ الموارد من العملة الصعبة وتباطؤ نسبة النمو، تعمل السلطات التونسية على توطيد علاقاتها الاقتصادية مع كل الأطراف القادرة على منحها الدعم المالي.
وبالرغم من نوايا هذه المؤسسات – وسواء كانت تعمل بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي أم لا – فإن زيارة أعضاء إدارتها لتونس وتصريحهم العلني لدعم الاقتصاد تمثل فرصة لتونس لكسب ثقة بقية المؤسسات المانحة و إشارة واضحة لهم على استعداد حكومتها للتعامل معهم والتعاون وفق ما تقتضيه مصلحة تونس.
بحلول سنة 2030 : الاقتصاد الأخضر سيوفر حوالي 12 الف موطن شغل
«تؤثر التغيرات المناخية على الاقتصاد التونسي بنسبة 2.1% من الناتج المحلي الإجمالي. وتعد ال…