2024-02-27

معرض جماعي بفضاء عين : وجــــودٌ ، نـــورٌ ، بـــهجةٌ…

يتواصل بفضاء عين لصاحبه الفنان محمد العايب معرض جماعي ( 18 فيفري− 8 مارس 2024) يضمّ حساسيات مختلفة: عبد المجيد عياد، بديع شوشان، راشد شتوي، علي فاخت، مختار هنان، زهرة لرقش.

ثمة عالم آخر يرتسم من خلال لوحات عبد المجيد عياد: “ياسمين”، “عصافر جنة”، “فرح”، و”براءة”. عالم من الطفولة حيث  لحظات الفرح والبراءة ممكنة، كأن تسمع موسيقى زنوج أو تتأمل الورود أو تجتمع برفيق طفولة بينما تحيط بكما خيوط من النور، أفقية وعمودية، دلالة على أنّ النور لا ينزل من السماء فقط، بل يصعد من الأرض ويخرج من الصدور التي لم يشوّهها الزمن. حتّى مع الحرب، كأن تكون حرب إبادة للفلسطينيين لا تُبقي أحدا ولا تخجل من قتل الرضّع والأطفال، فإن النور ممكن، فالموت يحفظ طفولتهم ويؤبّد جنّتها ( لوحة عصافر جنّة).

النور أيضا يحضر بكثافة في لوحات بديع شوشان. فكلّ شيء سواء كان بشرا أم عمارة أو مشهدا طبيعيا، هو قطع من الضوء والألوان. الناس وما هندسوه في الفضاء جسد واحد، من عجينة واحدة، في فسيفساء وجود تونسي بتلك التنويعات من الألوان وخصوصيّات الضوء.  ما يجعل هذا الوجود أزهى وأكثف هو الناس كأن تعبر نسوة ملفوفات في لباسهن التقليدي سوقا مزدحمة أو أن تضجّ السوق بالحركة والحياة أو تمتلئ المدينة بصخب عيد يعود عودا أزليا مبشّرا بلا نهائيته، فلا شيء قد ينشّزه. وحتّى الطبيعة والفضاء الخارجي فهما جزء من هذه الموسيقى الخفية.

نبقى مع نفس الموسيقى في لوحات زهرة لرقش، ولكن الملامح، ملامح الناس، والأشكال، أشكال الأجساد والعمارة، أوضح. ثمة وحدة أخرى تجمع الطبيعة بناسها وما صنعوه بالمكان. نرى أشجار يوكالبتوس هرمة تتدلّى غصونها في شارع واسع تقع فيه منازل صامتة. ثمة هنا  بمحضر، إذا ما استعرنا مصطلح باشلار، “ أحلام الاستراحة”. كلاهما؛ ظلّ الأشجار وعتمة البيوت، يعدان بالسكون والسكينة. في جدل الداخل والخارج لا شيء يشي بانهيار توازن ما أو عالم ما. إنّه عالم تونسي اختلّ الان، ولكنّه لم يندثر من ذاكرة الفنانة، ولا يزال يعد  بنفس دعة العيش ونضارته، بلقاء حميمي بين ناسه وبين ناسه ومحيطهم، بين أحلام الماء( ثمة ما يوحي بوجود حمام ستدخله نساء يتجمعن قدام بابه) وأحلام الضوء والحجارة. ثمة شعور بالاتساع، لا الضيق، يملأ مكانا يشبه سكانه ويشبهونه.

في نفس الروحية، في نفس الزمان، ترسم لوحات مختار هنان نفس ايقاع الحياة. في لوحة “ العودة من السوق” نرى امرأة بملامح واضحة تماما، تمسك طرف سفسارها بين أسنانها وتضعه على جسدها بطريقة تجعل من حركتها فيه هيّنة ومنسابة؛ يد طليقة واليد الأخرى تمسك بقفة مليئة. ثمة ظلال النهار على الحائط. في لوحة أخرى نرى بائع ورد بين أزهاره. في لوحة “نهج الكُتّاب”، نرى طفلين قدام عتبة عالية قليلا أمام باب الكُتّاب الأخضر الموارب منهمكين في حديث حميم بينما تعبر النهج امرأة بملامح غائمة تحمل قفة مليئة وبنفس هيأة المرأة السابقة، وتتدلّى من الحائط عريشة زاهية. كأنّما اللوحات الثلاث يحيل بعضها إلى بعض، الجزء يحيل إلى الكلّ والكلّ ينقسم إلى أجزاء، إلى فسيفساء مُبهجة.

في لوحات علي فاخت الثلاث، تحضر الأشكال والألوان  والخطوط لترسم عالما داخليا، عالما واضحا غامضا، وضوح وغموض الحبّ والحرية. وفي لوحة بعنوان “ plasti−cité “ يُبين الرسّام عن فنّه؛ عن رغبته في تحويل المدينة إلى تشكيل. وللمفارقة فهو لا يرسم مدينة بل فارسا يركب صهوة حصانه المختلط بين أحصنة أخرى، في فضاء مجرّد غير متعيّن، كأنّما يشير إلى شرخ يجعل سكنى المدينة مستحيلا، كأنّما يشير إلى أنّ حلم الانطلاق، الدليل على عنفوان الحياة، لم يعد إلا حلما مجرّدا لا تعد به لا الطبيعة ولا المدينة، فكلاهما لا يحتويان على إمكان للحبّ أو وعد بالحرية.

ولعلّ لوحات راشد شتوي، تخبرنا عمّا حدث. تغيب الطبيعة والمدينة والناس، لنجد أنفسنا أمام ثلاثة فصول( فصل 1، فصل 2، فصل 3)، وهي فصول مصنوعة من منوال غير منوال، تخلّقت من دوائر وألوان وأشكال مجرّدة. كلّ شيء يتحلّل وينحلّ في هيأته ما قبل الخلق، ما قبل الفوضى التي سبقت نظام الخلق، في هيأة جواهر نفسية تعدُ بخلق آخر ونشأة أخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

في مكتبة  «الصحافة اليوم»: كتاب tunisiables  نبش في أحوال التونسي وتقلباته لشكري الباصومي : حياتنا فقيرة قيميّا وحضاريّا وثقافيّا

في الصفحة 11 من كتابه “ tunisiables   نبش في أحوال التونسي وتقلّباته” الصادر حديثا عن دار …