لا نعتقد أن الرئيس قيس سعيد سيكون له اعتراض على مشروع تعديل المرسوم 54 والذي أثار جدلا كبيرا وما يزال في الأوساط الحقوقية والاعلامية ولدى شريحة واسعة من المشتغلين على شبكة التواصل الاجتماعي وصنّاع المحتوى من منتجين وناشرين وصحفيين ومدونين لما تضمّنه من فصول ثقيلة على كل «المتكلّمين في الشأن العام» سواء كانوا اعلاميين أو مدونين أو ملاحظين عابرين بحيث بامكانهم ـ من حيث لا يتوقعون ـ الاصطدام بعقوبات زجرية سالبة للحريات على غرار ما حصل مؤخرا مع عميد البياطرة الذي تم ايقافه اثر «تصريحات اعلامية» رأى وزير الفلاحة أنها غير مناسبة…!
المرسوم عدد 54 أصدره الرئيس قيس سعيد بتاريخ 13 سبتمبر 2022 وهو الذي أكد في كلمة له أنّ «أيّ قانون أو مرسوم ليس قرآنا منزلا وإذا بيّن الواقع قصورا في أيّ نصّ قانوني فإنّه بالامكان تعديله…» وعليه وبعد «تجريبه» على امتداد عامين ـ تقريبا ـ وأمام ما قوبل به من صدّ حقوقي وإعلامي وبعدما اتضح بأن فيه من «المغالاة» ما يتنافى مع قيم الديمقراطية والعدالة التي تسعى «دولة الرئيس» الى ارسائها ضمن مسار سياسي ما فتئ يردّد «بان العدل اساس العمران» فإنّنا نجزم بأن الرئيس لن يعترض على تعديل الفصول التي يُجمع على انها تعسفية ولا تليق «بالدولة العادلة» بل ان التعديل وخاصة المتعلق بالفصل 24 سيجد ترحابا من قبل الرئيس (وهو المشرّع هنا) باعتبار وأن المرسوم برمّته قد تأسّس على «النوايا الطيّبة» أي أن المشرّع قد أراد من ورائه حماية الدولة ومؤسساتها من كل انتهاك للأشخاص والأعراض وحماية أمن الدولة وموظفيها من الاشاعات المغرضة التي من شأنها إرباك الأمن العام… وباعتبار «ثقل الفصل 24» من المرسوم 54 وبما أنه لايتلاءم ولا ينسجم مع اتفاقية «بودابست» التي أمضت عليها تونس مؤخرا ولتحقيق الانسجام مع هذه الاتفاقية الدولية فإنه لا ضير من «تجويد النصوص» كما يقال أي تحسينها وتطويرها وتعديلها ومراجعتها بما يتلاءم «ودولة القانون والعدل» وبما يتلاءم مع المنظومة التشريعية الوطنية والتي تجيب في الواقع على كل ما يتعلق بالجريمة الالكترونية وخاصة مجلة الاتصالات ربما يتلاءم أيضا مع الاتفاقيات الدولية التي أمضت عليها الدولة التونسية وهي اتفاقيات ملزمة في أغلبها…
لهذا كلّه لا نعتقد بأن قيس سعيد سيعترض على تنقيح أو حتى الغاء الفصل 24 من المرسوم 54 خاصة وأن الامضاء على اتفاقية بودابيست قد تم بتعليمات من الرئيس قيس سعيد والذي يدرك أن امضاءها سيستتبعه ـ بالضرورة ـ تعديل الفصول الملتبسة الواردة في المرسوم 54 وخاصة تلك الفصول التي اعتبرها المجتمع الاعلامي والحقوقي بمثابة الأقفال الثقيلة التي تغلق «أبواب الحريات» وعلى رأسها الفصل 24 وفيه من الغموض وعدم الوضوح في مستوى الصياغة وفي مستوى المصطلحات الواردة به ما يتعارض ـ كما أشرنا في ورقات سابقة ـ مع فلسفة التشريع في المادة الجزائية التي تستدعي الوضوح في صياغة النصوص والدقة في وضع المصطلحات حتى تكون غير قابلة للتأويل خاصة في مستوى تجريم الأفعال..
ومن المآخذ الكبرى على الفصل 24 والتي اعتبرها أهل الاختصاص خطرا جاثما على باب الحريات هو تشبيكه للأفعال وتجريمها دون قياس ما بينها من تفاوت حتى تكون العقوبة متناسبة مع الأفعال من ذلك ـ مثلا ـ أن الفصل 24 يسلط نفس العقوبات الزجرية على كل من ينشر أخبار زائفة أو اشاعات كاذبة وعلى كل من يرتكب جرائم الثلب والشتم وهتك الأعراض وذلك دون قياس التفاوت في مدى خطورتها.. كما منح هذا الفصل حصانة كبرى للموظف العمومي وعقوبات قاسية وفيه من المغالاة ما يتنافى مع المعايير الدولية والقوانين المقارنة والتي اختارت عقوبة الخطايا المالية لكل من يروّج الاخبار الزائفة والاشاعات في حق الموظف العمومي والذي نجده ـ هنا ـ في الفصل 24 محصّنا تماما بحيث ترفع العقوبة السجنية الى عشر سنوات وخطيّة بـ100 ألف دينار إذا ما تعلقت الاشاعة أو الأخبار الزائفة بالموظف العمومي والذي منحه المشرّع درجة مواطنية استثنائية مقارنة بباقي المواطنين.
هذا بعض من فيض غير واقعي وغير عقلاني ورد في صياغات غامضة وملتبسة اضافة الى ثغرات كبرى والتي من شأنها أن تمنح السلطات القضائية والأمنية مساحة واسعة من التأويل للنصّ وهو ما يتعارض ـ كما أشرنا ـ مع فلسفة التشريع في المادّة الجزائية اضافة الى أنّ عددا من الفصول الواردة بالمرسوم 54 تتعارض تماما مع دستور 2022 الذي وضعه الرئيس قيس سعيد.
نشير في الأخير الى أنّ مشروع تعديل المرسوم 54 قد جاء ضمن مبادرة تقدم بها أربعون نائبا من كتل مختلفة اضافة الى عدد من النواب المستقلين وسيتم تمرير مشروع التعديل على الجلسة العامّة للمصادقة عليه بعدما تنهي لجنة الحقوق والحريات حصص السماعات لكل الأطراف المتدخلة على غرار وزارات العدل والداخلية وتكنولوجيا الاتصال مع العلم أنّ الفصول المعنية بالتعديل هي 5 و9 و10 و21 و22 و23 مع إلغاء الفصل 24 من المرسوم عدد 54.
وكما وجد مشروع التعديل ترحابا واسعا من قبل عدد من الكتل البرلمانية ومن المجتمع الحقوقي والاعلامي فإنّه أيضا قوبل باعتراضات من هنا ومن هناك وخاصّة ممّن يقولون أنّهم مساندون للمسار ويعتبرون مشروع التعديل هدفه إرباك «المسار الإصلاحي» ما نعتبره ـ في الواقع ـ مزايدة سياسية في غير موقع المزايدة خاصة وأنّ الذين تقدموا بمبادرة تعديل المرسوم ليسوا خصوما لقيس سعيد وإنّما هم من داعميه ومن مساندي مساره السياسي وقد أطلقوا مبادرة التعديل على أساس مقولة الرئيس قيس سعيد التي أشرنا إليها بداية وهي بمثابة القناعة لديه حيث جاء على لسانه بأنّ «أيّ قانون أو مرسوم ليس قرآنا منزلا وإذا بيّن الواقع قصورا في أيّ نصّ قانوني فإنّه بالامكان تعديله…» لذلك قلنا بأنّ الرئيس قيس سعيد لن يعترض على تعديل الفصول المشار إليها ضمن المرسوم عدد 54 بما ستضفيه على المسار السياسي ـ برمّته ـ من صدقية ومن جديّة ومن إخلاص حقيقي لكل الشعارات التي رفعها والمتعلقة «بدولة القانون والعدل» وفكرة تعديل المرسوم هي من أجل تأصيل «دولة القانون والعدل» لو يدرك المعترضون على التعديل…!
«مجلس أعلى للثقافة».. من أجل إعادة البناء..!
من أكثر القطاعات التي تحتاج الى «حرب تحرير وتطهير» كبرى، قطاع الثقافة و«ثكنته البيروقراطي…