2024-02-22

في اليوم العالمي للعدالة الإجتماعية : تدنّي وضعية العاملات الفلاحيات هو عنوان «اللاّعدالة»

تحتفل تونس كغيرها من الدول منذ سنوات عديدة باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية في العشرين من فيفري من كل سنة وسط غياب تام لمؤشرات التنمية واتساع الفجوة بين الجهات وبين الجنسين واتساع رقعة الفقر وازدياد وضعية النساء العاملات في القطاع الفلاحي سوءا نتيجة تدني الأجور وغياب التغطية الاجتماعية.

وتشير ارقام المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الصادرة مؤخرا ان 92 بالمائة  من العاملات في القطاع الفلاحي يتقاضين اقل من الاجر الأدنى المضمون و92 بالمائة منهن لا يتمتعن بالتغطية الاجتماعية في حين انهن يمثلن ركيزة اساسية في المجال الفلاحي  هذا علاوة على  أن هناك  العديد من المناطق في تونس استحالت شبه معزولة عن باقي التُراب التُونسي ومحرومة من الحق في الماء الصالح للشراب ومن حقها في التمتع ببيئة نظيفة بسبب تفاقم ظاهرة التلوث . ومع أن المرأة  التونسية كانت عنوانا بارزا للنضال نحو تحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة فهي من كانت في الصفوف الأمامية في الكثير من المسيرات الا انها قوبلت بتجاهل السُلط لأوضاعها المزرية .

وتنتصر العديد من مكونات المجتمع المدني الناشطة في مجال حقوق المرأة والفئات المستضعفة في المجتمع لحقوق النساء العاملات في القطاع الزراعي  ومن ضمنها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حيث أكدت  السيدة  حياة العطار المنسقة الجهوية للمنتدى المكلفة بملف العاملات الفلاحيات في تصريح لـ«الصحافة اليوم» بأن النقل الجماعي العشوائي هو من أبرز المشكلات التي تواجه النساء العاملات في القطاع الفلاحي وهو مشكل قديم ولد من رحم العديد من المشاكل الأخرى التي تعاني منها الكادحات في القطاع الفلاحي على غرار تدني اجورهن مقارنة بالرجال وعدم تمتعهن بالتغطية الاجتماعية وطول ساعات العمل ومع وجود كل هذه المشاكل تقول حياة العطار  مازالت السلط لا تعترف بهذا النوع من العمالة النسائية وتتنكر لحقوق النساء ولا تكترث لأوضاعهن الاجتماعية والاقتصادية الصعبة مؤكدة انه  من نتائج عدم اعتراف  السلط  بهذا النوع من العمالة هو النقل العشوائي وغير الآمن الذي يتسبب إلى اليوم في خسائر بشرية هامة في صفوف العاملات حيث أكدت العطار بان النساء الفلاحيات يظطررن من أجل لقمة العيش للتنقل إلى مواقع العمل في الضيعات الفلاحية في شاحنات غير آمنة مخصصة لنقل البضائع مما يعرض حياتهن للخطر مشيرة الى ان المنتدى سجل منذ سنة 2015 الى اليوم 74 حادثا خلفت  60 ضحية بين نساء ورجال واطفال امرأة و850 جريحة وقد جد آخر هذه الحوادث المؤلمة خلال الأسبوع الفارط في منطقة جلمة في ولاية سيدي بوزيد وتوفيت على اثره عاملتان وجرحت 30 امرأة.

وأكدت العطار بان نصف هذه الحوادث سجلت في ولايتي سيدي بوزيد بنسبة 30 بالمائة وولاية القيروان بنسبة 20 بالمائة مبينة بأن هذه الحوادث زادت حدتها خاصة بعد سن القانون عدد 51 لسنة 2019 الذي جاء بعد الحادثة الاليمة التي شهدتها منطقة السبالة من محافظة سيدي بوزيد والتي ذهبت ضحيتها 12 ضحية.

وتدل مشاهد الموت المأساوية التي تعصف من فترة الى أخرى بالأرواح البريئة من النساء بحسب حياة العطار على هشاشة العمالة النسوية في القطاع الفلاحي الذي ظل إلى اليوم غير مهيكل وغير منظم مشيرة إلى أن هذا القطاع يشغل  85 بالمائة من النساء لكن 92 بالمائة منهن يعملن دون تغطية اجتماعية او صحية و92 بالمائة منهن يتقاضين دون الاجر الأدنى المضمون الذي لا يتجاوز 17,664 دينارا تونسيا كما بينت العطار أن الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية والبنية التحتية المهترئة للمسالك الفلاحية غير المعبدة والتنقل لمسافات بعيدة بين المحافظات طلبا للعمل هي أيضا من ابرز الأسباب التي ساهمت في ارتفاع حوادث شاحنات الموت مشيرة إلى أن ولاية  سيدي بوزيد التي شهدت أكثر الحوادث القاتلة للنساء. 55 بالمائة من مسالكها غير معبدة اما ولاية  القيروان ففيها 78 بالمائة من الطرقات والمسالك الفلاحية غير معبدة.

وتؤكد حياة العطار أن العاملات الفلاحيات يمثلن الحلقة الاضعف في القطاع الفلاحي وعملية نقلهن في الشاحنات غير الآمنة مستمرة رغم وجود القانون عدد 51 لسنة 2019 المتعلق بإحداث صنف نقل العملة والعاملات في القطاع الفلاحي الذي لم يتم تفعيله على أكمل وجه نتيجة عدم رصد الآليات الضرورية وعدم ردع الوسطاء الذين يواصلون نقل العاملات بطرق عشوائية ومن ولاية  إلى أخرى دون الالتزام بالضوابط القانونية لذلك تؤكد حياة العطار بأن ظاهرة النقل العشوائي متواصلة  رغم وجود القانون لأنه لم تتم معالجتها بجدية من قبل السلط المعنية وماتزال العديد من الاجراءات والجوانب القانونية مطلوبة لمعالجة الظاهرة في العمق. مشيرة الى انعدام الإرادة السياسية في تطبيق القانون وغياب استراتيجية واضحة تحدد المسؤوليات وتركز الآليات اللازمة لتطبيقه وتسهّل عملية النفاذ اليه من قبل الفئات المعنية به لذلك فهي تؤكد بان التصدي لهذه الظاهرة لا يجب ان يكون فقط بمعالجة امنية بل يجب التصدي لها بسن القرارات والاستراتيجيات الموحدة .

وتقول حياة العطار في تشخيص لواقع المرأة العاملة في مجال الزراعة تحت عنوان «شاحنات اللاعودة: التنقل على إيقاع الموت وصمت الدولة المخزي» بأن عاملات القطاع الزراعي  يعملن بنفس النسق وبلا هوادة يركبن الشاحنة في اتجاه الحقول ولا تخشى الواحدة منهن الاوبئة غير وباء الفقر والبطالة فالجوع والحاجة وقلة ذات اليد أخطر عندهن من كل شيء. وتضيف حياة العطار«وتتالى الحوادث وتتصاعد الارقام وفي المقابل تواصل الحكومة صمتها وتجاهلها وكأنها أَلِفَت المشهد وتعودت به فأصبحت تتعاطى مع المآسي بالتطبيع مع الموت والتعايش مع الكوارث».

وتتصدر ولايات الوسط الغربي خاصة سيدي بوزيد والقيروان المراتب الأولى من حيث عدد الحوادث وعدد الضحايا وتفسر حياة العطار تواصل هذه المآسي بتدهور البنية التحتية في هذه الجهات الى جانب الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع نسب الفقر والبطالة وشعور الغبن والحرمان المستمر من الموارد والقدرات وانعدام فرص التمتع بمستوى معيشي لائق وبأبسط أساسيات الحياة وحالة اللاأمان واللااستقرار التي تدفع نساء هذه الجهات الى العمل في الحقول وركوب المخاطر  في انتظار حلول جادة تغير من واقعهن وتحفظ كرامتهن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

التطورات الجديدة في ملف الأعوان المتعاقدين بوزارة التربية : هل هي بداية الانفراج للقطع النهائي مع آليات التشغيل الهش؟

بعد سنوات طويلة من النضالات المتواصلة من أجل حلحلة ملفهم الذي  ظل يراوح مكانه بسبب عدم تجا…