2024-02-22

مقاربات الانتقال الطاقي : الـــنـــمـــوذج الـــحـــالـــي والـــبـــدائـــل…

بتاريخ 22 جوان 2023 تم الإعلان عن توقيع اتفاقية قرض بين البنك العالمي والشركة التونسية للكهرباء والغاز بقيمة 268.4 مليون دولار ( ما يفوق 900 مليون دينار تونسي )والهدف من هذا القرض تمويل مشروع الخط الكهربائي الذي سيربط بين تونس وإيطاليا.

هذا المشروع يمكن أن يعود بالنفع على تونس في حال تطويعه مع مشاريع استثمارية جديدة توجه للمرفق العمومي المتمثل في الشركة التونسية للكهرباء والغاز وفق ما أفادنا به الخبير في الطاقة وعضو مجموعة العمل من أجل ديمقراطية الطاقة إلياس بن عمار. هذا المشروع كما قالت عنه وزارة الصناعة والطاقة والمناجم  يهدف إلى جعل تونس مركزا إقليميا للطاقات المتجددة من خلال الربط مع الشبكة الأوروبية للكهرباء. كما سيعزز  شراكة تونس مع الاتحاد الأوروبي على المدى الطويل في قطاع الطاقة من خلال تمكين التبادل في الطاقات المتجددة والتنافسية. كما يهدف أيضا إلى دعم تبادل الطاقات المتجددة الضرورية للتنمية المستدامة في تونس وإستراتيجية مواجهة التغيرات المناخية . علاوة على تدعيم الأمن الطاقي ودمج مصادر الطاقات المتجددة والتقليص من انبعاثات الكربون وجعل قطاع الطاقة أكثر جذبا للاستثمارات الأجنبية .

ويرى محدثنا أن البنك العالمي  تربطه بتونس علاقات شراكة استثمارية وتنموية منذ عقود ، في ما يتعلق بسياسات بديلة تخدم الاقتصاد التونسي إذ أن هذا المشروع يندرج ضمن تحضير البنية التحتية من أجل تسهيل نفاذ الطاقات المتجددة من طرف الخواص ( الأجانب أساسا في تونس ). وهواستكمال للقرض السابق الذي تمتعت به الشركة التونسية للكهرباء والغاز من طرف البنك العالمي بقيمة 151 مليون دولار والذي تضمنت مذكرة التفاهم فيه أن البنك العالمي من خلال الوثيقة يعتبر أن دور الستاغ هوتوفير البنية التحتية اللازمة للمنتجين الخواص وبالتالي اقتصار دورها على توفير شروط إنتاج الكهرباء عبر الطاقات المتجددة لا غير  فالحديث على أن القروض المتعلقة سواء بالربط أو بتهيئة شبكة النقل خدمة للمصلحة الوطنية إنما هو يحتاج إلى بعض المراجعات حتى تضمن تونس تأمين الحاجيات الوطنية من الطاقة تماشيا مع الرؤية التي ذهب فيها رئيس الجمهورية قيس سعيد والمتعلقة بإعادة إصلاح المؤسسات والمنشآت العمومية والمحافظة على ديمومتها .

غاية الربط : من يصدّر لمن؟

عند التعرض لمشروع الربط الكهربائي ، دائما ما يتحدث الجانب الرسمي للمشروع عن تصدير الطاقة الكهربائية المنتجة من الطاقات المتجددة نحو أوروبا. لكن ثمة السؤال الأساسي : من سيصدر الطاقة ؟ وهل فعلا هنالك عوائد للبلاد جراء هذا التصدير ؟. يقول إلياس بن عمار إن المتمعن في طلبات عروض المشاريع الكبرى للطاقات المتجددة في تونس يلاحظ هيمنة الشركات الأجنبية على المشهد وغياب الاستثمارات الوطنية، حتى الشركة التونسية للكهرباء والغاز ومنذ فترة حكومات الترويكا والتوافق الثنائي في ما بعد بين النداء والنهضة ، تم حرمانها من هكذا مشاريع بدعاوى غياب التمويل وهذه مغالطة أخرى يؤكد عليها محدثنا، هدفها تعبيد الطريق للاستثمارات الأجنبية المباشرة في مجال الطاقة ، وقد حان الوقت لمراجعة هذه الخيارات الاستراتيجية سيما مع تمسك رئيس الجمهورية قيس سعيد في خطاباته بعدم التفريط في الشركات الوطنية .

مؤشرات وأرقام تُناقض السياسات الغربية

في علاقة بالانبعاثات الغازية، يرى بن عمار أن تونس تسجل 40 مليون طن من الغازات الدفيئة وهو رقم ضئيل وضعيف جدا مقارنة بالصين 11876 مليون طن والولايات المتحدة الأمريكية 5297 مليون طن،والهند 2865 مليون طن وأوروبا 2822 مليون طن ، بما يعني أن هذه البلدان هي المؤثرة فعليا في التغيرات المناخية وفي المقابل يتعاظم الحديث عن  دور وتفعيل سياسات لحماية المناخ في تونس بإيعاز من الدول المصنعة التي تعتبر أكبر مستهلك للطاقات في العالم كما أن آخر الإحصائيات تشير إلى صرف 1.2 تريليون دولار على الطاقات المتجددة ولكنها تغطي نسبا ضعيفة في الإنتاج العالمي حاليا منها الرياح بـ 10 % وطاقة الشمس بين 4 و5 %.

ويعتبر بن عمار أن هذه الأرقام تؤكد وجود أزمة طاقية لا أزمة بيئية في الأساس ، علاوة على غياب شبه كلي لدمقرطة الطاقة البديلة في تونس رغم البرمجة لبلوغ 35 % من إنتاج الطاقة البديلة في السنوات القادمة إلا أن التشريعات والقوانين في واقع الأمر لا تخدم بلادنا على حد قوله وإنما بالقانون الصادر في سنة 2015 المتعلق بإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة يعمل لتسهيل نفاذ القطاع الخاص والأجنبي لقطاع الكهرباء على حساب الشركة الوطنية الأم في هذا المجال ، وبالتالي تحولنا من دائرة تعبئة الموارد الطاقية بالقانون الصادر في سنة 2009 المتعلق بالإنتاج الذاتي للشركات والجماعات المحلية ليتم التخلي عنه وتعويضه بقانون «اختراق الكهرباء في تونس» .

إعادة تجذير تنظيمات جماعية لإنتاج الطاقة

هنا لابد من الإشارة إلى أن النموذج الحالي للطاقة في العالم يمثل عبءا على البشرية من حيث التغير المناخي والاستغلال المفرط للثروات الطبيعية ولجهود العمال ليبقى نموذجا ذا بعد واحد قائم على الاستغلال الاقتصادي يهتم بالنتيجة وتغافل عن الطرق والوسائل وتداعياتها على السكان والبيئة المحلية إلى جانب العلاقات العمودية بين الدول وبالتالي أثبت النموذج فشلا حسب دراسات أجرتها مجموعة العمل من أجل ديمقراطية الطاقة وخلصت إلى تغيير شكل العلاقات داخل الهياكل لتصبح أفقية، تكون علاقة تكامل بين المنتج والمستهلك والعمل على إعادة تجذير تنظيمات جماعية لإنتاج الطاقة كالتعاونيات ولِمَ لا الشركات الأهلية تقطع مع ثنائية العمومي والخاص وتستفيد منها مختلف الجهات التي تتوفر بها مناطق إنتاج الطاقة البديلة واعتبار مسألة الطاقة مسألة سياسية بالأساس تتعلق بطبيعة التطورات والتصورات انطلاقا من المبادئ لا من المصالح مع العمل على إعادة الاعتبار للمرفق العمومي في إنتاج الكهرباء وعدم اعتباره مجرد متصرف في الشبكة وإعادة توجيه الاستثمارات والمساعدات المادية والفنية للتجمعات السكانية وصغار الفلاحين والمؤسسات العمومية كغيرها من الحوافز الموجهة للمستثمرين الخواص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

مشروع الانتقال الطاقي بالمؤسسات العمومية : توجّه لاستدامة الموارد الطاقية وتخفيف الأعباء المالية

تواصل بلادنا تنفيذ مشروع «الانتقال الطاقي في المؤسسات العمومية» الذي سيشمل 22 وزارة، وتهدف…