فيما رئيس الجمهورية يؤكد أنه«.. لا مستقبل لأيّ شعب دون ثقافة وطنيَّة»: أي ثقافة نريد..؟
تحوَّل رئيس الجمهورية قيس سعيّد، أمس في زيارة غير معلنة لعدد من المنشآت الثَّقافيّة والمكتبات بالمدينة العتيقة بتونس. وهي جمعيّة صيانة مدينة تونس حيث تحدَّث مع عدد من المسؤولين عن دور بلديّة العاصمة ودور هذه الجمعيَّة في صيانة المعالم التاريخيَّة لمدينة تونس.
كما زار رئيس الجمهوريَّة، إثر ذلك، مكتبة الخلدونيّة والمقر القديم للمكتبة الوطنيَّة ومكتبة الدّيوان مؤكّدا أنَّه لا مجال للتَّفريط في هذه المنشآت التي يجب أن تبقى للدَّولة التّونسيَّة وحدها لأنَّ تاريخ تونس ومعالمها الأثريَّة ليست بضاعة قابلة للبيع أو للتَّفويت فيها بأيّ شكل من الأشكال.
ثم تحوَّل رئيس الجمهوريّة، إثر ذلك، إلى قصر الحكومة بالقصبة حيث اجتمع برئيس الحكومة أحمد الحشَّاني، وتناول معه جملة من المواضيع من أهمها القطاع الثَّقافي.
وأكَّد رئيس الجمهوريَّة أنَّه لا مستقبل لأيّ شعب بدون ثقافة وطنيَّة، كما أنَّ الثَّقافة هي قطاع من قطاعات السيادة ويجب أن تجد المكانة التي هي بها جديرة خاصة في مستوى الإعتمادات التي يجب أن ترصد لها.
ويشهد القطاع الثقافي أزمات متعددة الأوجه منذ سنوات، لم تتم معالجتها بصفة جذرية وانما أوجد لها المسؤولون حلولا مؤقتة… ولعل تدخل قيس سعيد لتنظيم معرض تونس الدولي للكتاب في موعده بعد إقرار الوزارة تأجيله لأسباب غير معلومة، خير دليل على ازمة هذا القطاع.
إن الحديث عن سياسة ثقافية يتطلب نظرة شاملة تتناول تشخيص الواقع الثقافي في بعده المحلي والجهوي والوطني، كما يحتاج إلى صياغة تصورات بنّاءة. والسياسة العمومية في مجال الثقافة يقصد بها مجموعة من الأهداف التي تصاحبها مجموعة من القرارات أو البرامج الأساسية والتي تحدد كيفية صياغتها وتنفيذها. وهذا القطاع يحتاج الى تغيير جذري وعميق في التعاطي معه، كقطاع سيادي ومحوري، كما أشار الى ذلك الرئيس قيس سعيد.
ولعل الخطوات الأولى التي يجب ان يتخذها أصحاب القرار، تتمثل في تغيير المنظومة التشريعية الحالية أو سنّ قوانين جديدة بما يساهم في تطوير عمل وزارة الثقافة والنهوض بالقطاع الثقافي وتجاوز الإشكاليات ودعم الاستثمار في الابداع والفن لتحقيق التنمية الاقتصادية الثقافية.
واذا تناولنا الإمكانيات، نجد انها لا تتقابل مع الأهداف الكبرى للنهوض به، اذ ان الدولة رصدت ميزانية لوزارة الثقافة لسنة 2024 قدرت بـ414.3 مليون دينار مقابل 395 مليون دينار سنة 2023. الا ان ميزانية الوزارة تمثل 0.69 بالمائة من اجمالي الاعتمادات المرصودة لمختلف الوزارات. وهو نفس التمشي الذي اتبعته الحكومات ما بعد الثورة.
وتتطلب السياسة الثقافية الناجعة اليوم برامج ورؤى وأهدافا كبرى يتم تنفيذها بتطوير الوسائل والامكانيات. في هذا السياق تمحورت مداخلات النواب بالخصوص خلال مناقشة ميزانية وزارة الثقافة في نوفمبر الماضي، حول البنى التحتية المهترئة لعدد من المؤسسات الثقافية وافتقادها للتجهيزات اللازمة، وضرورة المصادقة على مشروع قانون الفنان والمهن الفنية، إلى جانب دعم الأعمال الفنية والإبداعية والإحاطة بالفنانين والنهوض بالقطاعات الثقافية والفنون على غرار السينما والمسرح والكتاب.
واستفسر النواب المتدخلون حينها عن تمويل المهرجانات والتظاهرات الثقافية ومدى تقدم التشريعات الخاصة بحماية المواقع الأثرية والمعالم التراثية ومدى تقدم مجلة الاستثمار الخاصة بالقطاع الثقافي.
وبخصوص الاستثمار في المجال الثقافي، أفادت وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي أن الوزارة خطت أشواطا متقدمة لإصدار دليل المستثمر، مشيرة إلى أنه سيتم استصدار الأمر المتعلق بضبط شروط صندوق التشجيع على الاستثمار في المجال الثقافي.
أما عن مسألة دعم المهرجانات، فقالت قطاط أن الوزارة بصدد العمل حاليا على إعداد تقرير تقييمي من أجل مراجعة تنظيم المهرجانات لتصبح ذات خصوصية فنية وثقافية على غرار مهرجان المالوف بتستور أو الواحات بتوزر وغيرها.
وأكدت من جهة أخرى أن مراكز الفنون الدرامية لن تغلق، بل ستواصل عملها وأن الوزارة ستتولى إعداد مشروع لتحويلها إلى أقطاب مسرحية إقليمية تماشيا مع التقسيم الجديد للأقاليم بالبلاد التونسية.
إمكانيات محدودة
وأقرّ أعضاء مجلس نواب الشعب بضعف ميزانية الوزارة لسنة 2024، مما يستدعي العمل على مزيد حوكمة القطاع ودعم الاستثمار في الإنتاج الفني والابداعي.
في هذا الصدد يفيد رئيس لجنة السياحة والثقافة والخدمات والصناعات التقليدية ياسين مامي في حديثه لـ«الصحافة اليوم» بأن السياسة الثقافية تترجم واقع البلاد ويجب ان تكون خيارا وطنيا، داعيا الى تغيير تسميتها نحو وزارة الاقتصاد الثقافي، لأنه قطاع يقدم دعما كبيرا للاقتصاد الوطني.
ولكن يستدرك ياسين مامي بالقول: «الا انه بالنظر الى واقع الثقافة اليوم نجد ان ميزانية وزارة الشؤون الثقافية ضعيفة، بالإضافة الى وضعية صعبة للمعالم الاثرية والحالة المهترئة التي عليها، وهذا ما ترجم في حدث سقوط سور من أسوار المدينة العتيقة بالقيروان».
وأبرز مامي ان غياب المشاريع في كل القطاعات شمل قطاع الثقافة الذي عرف فقط زيادة في عدد الاعوان حيث تضاعف 3مرات واصبح لدينا قرابة 9000 عون مقابل 2700 عون سنة 2010 مقابل غياب النجاعة.
وشدد النائب على ان لجنة السياحة والثقافة صلب البرلمان ستقوم بدورها الرقابي، في الاطلاع على وضعيات المؤسسات الثقافية لافتا الى ان الإمكانيات المرصودة للترميم تبقى محدودة.
ويقترح ياسين مامي ان يتم التوجه الى مؤسسات دولية تدعم القطاع الثقافي خاصة وان لدينا مخزونا ثقافيا هاما، بالإضافة الى ضرورة اصدار تشريعات تتلاءم مع الواقع الثقافي للحفاظ على هذه المعالم من التفويت والإهمال.
مهمة هيئة الانتخابات: تقديرات نفقات انتخابية محتملة سنة 2025 تتجاوز 74 مليون دينار : نواب يطالبون بتطوير أداء الهيئة لتحسين نسب المشاركة الانتخابية
ناقش أعضاء الغرفتين النيابيتين بقصر باردو أمس مشروع ميزانية الهيئة العليا المستقلة للانتخا…