2024-02-22

عن فراغ مؤسسة الوالي في عدد من الجهات : ضرورة الانتقال من «حالة المؤقت» الى «حالة الاستقرار»..!

من المرجح أن يتم تنظيم الانتخابات الرئاسية خلال الثلاثية الأخيرة من العام الجاري بناء على تصريحات سابقة لرئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر، ومع استكمال المراحل الانتخابية التي وعد بها قيس سعيد إثر إعلانه عن الإجراءات الاستثنائية التي تلت 25 جويلية 2021 سيما منها المتعلقة بالاستفتاء وبالغرفة التشريعية الأولى في النظام الديمقراطي وانتخابات المجالس المحلية والأقاليم، تطرح اليوم مسألة شديدة الأهمية وهي تتعلق أساسا بمدى تواصل الفراغ المؤسساتي على مستوى مراكز الولاة في عديد الجهات على غرار تونس العاصمة وقابس وصفاقس والكاف، إذ تم على مراحل سابقة تكليف وتعيين كاتب عام ولاية أو معتمد أول للإشراف على دواليب الجهة دون تحديد سقف زمني لهذه الإجراءات الاستثنائية.

قرارات الإقالات التي شملت الولاة منذ إجراءات 25 جويلية ولئن تعددت إلا أنها لم تبح بمبررات للرأي العام باستثناء بعض الولاة الذين تم عزلهم وأعلنت رئاسة الجمهورية في بيانات مقتضبة أنها ستكلف وزارة العدل بفتح تحقيقات قضائية بشأنهم… وكذا الحال مع تاريخ التمديد لمن عوضوا أصحاب الإقالات وربما يكون ذلك من باب البحث المتواصل عن أصحاب الأيدي النظيفة والكفاءة والجدارة التي يبحث عنها الرئيس.
ومع ذلك بات من المؤكد النظر في تعيينات جديدة ووضع حد للفراغ الحاصل ، مع تزامن مراحل سياسية واقتصادية وإجتماعية حساسة تمر بها البلاد قبل حلول فصل الصيف وأبرزها الملفات الإقتصادية والإستعداد للموسم السياحي وغيرها من معالجة ملفات البيئة وخدمات التنمية الجهوية والمحلية التي تقتضي توفر رأس السلطة الجهوية للتسريع في معالجتها . إذ أن منصب الوالي باعتباره ممثل رئيس الجمهورية في جهته يعدّ إسنادا إداريا لحلحلة عديد الملفات والقضايا المصيرية التي تهم المواطن والشأن العام.

ولابد في هذا السياق من اختيار ولاة بمعزل عن التوظيف الحزبي والسياسي حتى يقوموا بأدوارهم على أكمل وجه بعيدا عن المساومات والضغوطات صلب التنظيم الإداري الذي عرفت به تونس منذ الاستقلال إلى اليوم، وهنا تكتسي «مؤسسة الوالي» مركزية ناجعة في ضبط وتنفيذ المخططات المركزية للتنمية وتسهم في بلورة وتسهيل إنجاز المشاريع بعيدا عن التضييقات التي مورست عليها إجتماعيا واقتصاديا خلال العشرية المنقضية بفعل الإحتجاجات المكثفة المدروسة من جهات سياسية ومتحزبة وغيرها بشكل عشوائي، ما أفرغ دور الوالي في مناسبات عديدة من مكانته الاعتبارية والسلطوية الإدارية ليقدم على ترك منصبه تحت ضغط الشارع بالرغم من سلطته اللامحورية ذات الصلاحيات المتعددة علاوة على تعاظم أدوار رؤساء البلديات وأعضاء المجالس البلدية المنتخبة خلال حقبة من الزمن وتغوّل القرارات الصادرة عنهم بناء على ترتيبات حزبية وماشابه، كلها جعلت من دور الوالي يتراجع نسبيا.
يعدّ الوالي مسؤولا عن تنفيذ السياسة الوطنية للتنمية على الصعيد الجهوي، وبهذه الصفة يدرس ويقترح على الحكومة الوسائل الكفيلة بتحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي لدائرة ولايته وفق ماينص عليه القانون ، وهو بوصفه ممثل الحكومة، له سلطة على موظفي وأعوان المصالح المباشرين بدائرة ولايته، وبهذا الاعتبار يسهر على تنفيذ القوانين والتراتيب والقرارات الحكومية كما يعمل على تنشيط وتنسيق ومراقبة المصالح الجهوية الراجعة بالنظر للإدارات المدنية التابعة للدولة في جهته. كما أن سلطة الوالي تختلف عن سلطة كل من يعوّضه بصفة وقتية من حيث النجاعة وسرعة اتخاذ القرارات وتحمل تبعاتها في ما بعد.

٭ مكانة الوالي في التنظيم الإداري:

غياب الوالي في النظام الإداري يمكن أن يؤثر سلبًا على الإدارة المحلية والتنظيم الإقليمي. يمكن أن يؤدي ذلك إلى فقدان التوجيه والرقابة الفعّالة، مما قد يؤدي إلى عدم الفعالية في تنفيذ السياسات الحكومية على المستوى المحلي. كما يمكن أن يؤدي الغياب إلى تأخر في اتخاذ القرارات وتقديم الخدمات العامة، مما يؤثر على رضاء المواطنين والتنمية المحلية.

الوالي يحمل أهمية كبيرة في العمل الحكومي، حيث يشغل دورًا رئيسيًا في تنظيم وإدارة الشؤون الإدارية والسياسية على مستوى إقليم معين. يسهم الوالي في تعزيز التنسيق البيني ضمن مختلف جهات القرار الوطني لضمان تكامل الجهود وتحقيق التوازن في التطوير. هذا دون التغافل عن دوره في حل النزاعات والقضايا الجهوية والمحلية لفرض الاستقرار وتعزيز السلم الاجتماعية علاوة على مكانته الإسنادية في جذب الاستثمارات من خلال إيجاد بيئة استثمارية جاذبة في الجهة، مما يساهم في بناء التنمية الاقتصادية انطلاقا من مبدإ المشاركة المجتمعية والاستماع الى آراء المواطنين ضمن حلقة الديمقراطية الجهوية والمحلية التي تتبنى صنع قرارات أفضل مستندة إلى احتياجات السكان.
إن تناغم السلطة الجهوية والمركزية يعكس بالضرورة التفاعل المنشود بين هاتين السلطتين في النظام الاداري. فالسلطة المركزية تحدد السياسات الوطنية والإطار العام، في حين تلعب السلطة الجهوية دورًا في تنفيذ هذه السياسات بطريقة تتناسب مع احتياجات وخصوصيات المناطق المحلية لضمان الحد الأدنى من تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية.

وفي سياق متصل تبقى مؤسسة الوالي في تونس منقوصة في الجانب القانوني المؤطر لتنظيم مهامها والتي اقتصرت على الأمر العليّ المؤرخ في 21 جوان 1956 والموقّع من آخر بايات المملكة التونسية والمتعلق بالتنظيم الإداري لتراب الجمهورية التونسية إذ حافظ هذا الأمر على أهم ترتيباته بالرغم من أنه تم تنقيحه بالقانون عدد 52 لسنة 1975 والقانون عدد 62 لسنة 1989، هذا إلى جانب بعض التنقيحات الطفيفة التي تم تسجيلها إثر الثورة، وصدور المنشور عدد 19 لسنة 2014 المتعلق بتفويض بعض صلاحيات الوزراء للولاة زمن حكم الرئيس الأسبق الراحل الباجي قائد السبسي. دون ذلك بقيت هذه المؤسسة محل تجاذبات وتوظيفات حزبية لم ترتق إلى المستوى الذي يتوجب أن تبلغه من مكانة هامة في سلّم التنظيم الإداري الناجع، ولعل العشرية الفائتة كانت مثالا لتردّي هذه المؤسسة وإخضاعها كليا لمبدإ المحاصصة السياسية وغابت عنها الكفاءة والجدارة حتى أصبحت مجرد أداة وغنيمة في أيدي الأحزاب ضاربين عرض الحائط أهمية هذا الدور على المستوى الجهوي، فيما تثبت الوقائع إثر ذلك تورط العديد منهم في قضايا وملفات تحمل شبهات فساد هي قيد التحقيق. وعلى هذا الأساس ثمة من يدافع بشدة اليوم على ضرورة أن تخضع التعيينات الخاصة بالولاة إلى مبدإ الكفاءة والنزاهة والحياد التي يتمتع بها كثيرون من أبناء الإدارة التونسية ممن تناستهم «عربدة» السياسة وضجيج الأحزاب.
ومن المقترحات الممكنة في هذا الاتّجاه والتي لا تستدعي اطلاق حركة واسعة هو الاكتفاء بتثبيت من أثبتوا كفاءتهم في إدارة شؤون الولاية من المعتمدين الأول ممّن لا شبهات فساد أو ولاءات حزبية لديهم أو عليهم…!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

مشروع الانتقال الطاقي بالمؤسسات العمومية : توجّه لاستدامة الموارد الطاقية وتخفيف الأعباء المالية

تواصل بلادنا تنفيذ مشروع «الانتقال الطاقي في المؤسسات العمومية» الذي سيشمل 22 وزارة، وتهدف…