مؤشر دولي جديد يمنح تونس مكانة متقدمة ويبوّئها الصدارة في المنطقة العربية في مجال الديمقراطية. ويأتي هذا الاعتراف الدولي ضمن تقرير صادر عن مجلة «ذي ايكونمست» البريطانية، وهي بالتالي أول بلد عربي يمتلك مؤشرات الديمقراطية الحقيقية وجاءت في المرتبة الثانية والثمانين عالميا متقدمة بثلاث نقاط عن السنة الماضية.
إذن المنتظم الدولي مايزال يرى تونس ضمن نادي الديمقراطيات رغم كل النقد الذي توجهه المعارضة للسلطة القائمة والتي تنعت النظام اليوم بـ«السلطوي» و«التسلّطي» وغير ذلك من النعوت. وهذا ما يعني ان الديمقراطية التونسية التي ولدت من الخاصرة ولحقتها تشوهات كبيرة لا تخطئها العين ماتزال مقبولة دوليا.
هنا نقدم بعض المعطيات بشأن هذا الترتيب حيث تتصدر القوائم الأولى 24 دولة وهي الديمقراطيات العريقة جدا وتسمى الديمقراطية فيها تامة ثم تليها 50 دولة توسم الديمقراطية فيها بالناقصة وهي ديمقراطيات معروفة أيضا ثم تليها 34 دولة توضع في خانة الديمقراطية الهجينة أي الباحثة عن نفسها ولكنها تملك المؤشرات التي تبوّئها مكانة في النادي الديمقراطي ومنها تونس ثم هناك 54 دولة موسومة بالديكتاتورية وتضم الكثير من البلدان المحسوبة على محيطنا الإقليمي.
وفي هذا المضمار كانت تونس الأولى عربيا وخلفها كل البلدان حتى تلك التي تسعى الى تركيز أنظمة بمقاييس ديمقراطية عالمية.
أما المؤشرات التي تعتمد في هذا الخصوص فهي مؤشر الانتخابات وتقييمها يتم على أساس الظروف التي تمت فيها بسلاسة وغياب العنف والمناخات السلمية التي تجري فيها وكذلك ردود الفعل عليها وهو الذي يحيل على المشاركة السياسية ولا ننسى ان تونس خاضت في السنة الماضية تجارب انتخابية بغض الطرف عن نسبة المشاركة الشعبية فيها إلا انها اعتبرت مؤشرا دالاّ على وجود ديمقراطية اما المؤشر الثاني فهي حرية الصحافة ورغم التململ الموجود في صفوف الصحفيين والاستياء جراء المرسوم 54 بالتحديد ورغم وجود علل كثيرة في المشهد الإعلامي التونسي إلا ان هناك فسحة من الحرية قائمة في الإعلام التونسي من سابع المستحيلات التفريط فيها. وماتزال المنابر الإعلامية التونسية رغم النقد الموجّه لها خاصة من قبل المعارضين للسلطة الحالية تطرح الرأي والرأي الآخر وتنقد الأوضاع القائمة في تونس. وهو ما تفتقده وسائل اعلام عربية كبرى رغم تشدقها بالمهنية والحرفية الا انها تفتقر الى إمكانية نقد حكام البلد الذي تنتصب فيه وتتلقى اعتمادات مالية منه وهذا هو الفرق الشاسع. وبهذا المعنى يمكن ان نقول إن الإعلام التونسي مايزال الأكثر حرية رغم الهنات والضعف الكامن فيه مهنيا وحرفيا.
ثمة مؤشر مهم أيضا لا ينبغي ان نقفز عليه وهو مؤشر الثقافة السياسية للمجتمعات وعلينا هنا ان نقول ودون تواضع زائف ان المعرفة بالشأن السياسي في تونس متطورة جدا بالمقارنة مع الكثير من البلدان في منطقتنا العربية.
هنا نحن امام معطيات مهمة تؤكد أن تونس ماتزال محتفظة بمكانتها وانها تصارع من اجل البقاء في نادي الديمقراطيات الكبرى لكن عمليا ما نستنتج من هذا التقرير المهم وكيف نستفيد منه؟
سيكون من الحكمة البناء على هذه المؤشرات والاستفادة منها فلا يجب التغافل والنسيان عن معطيات مهمة واولها اننا قادمون من بعيد إلى النادي الديمقراطي فليس لدينا تقاليد في هذا الشأن وان من سبقونا في الترتيب لديهم قرن ومايزيد في اقل الحالات من الممارسة الديمقراطية بينما عمر ديمقراطيتنا الناشئة لا يتجاوز العقد من الزمن عقد عرفنا فيه كل الأعاصير وكل التحولات العميقة التي عصفت بنا وتركت ارتداداتها على حياتنا الاجتماعية والاقتصادية وممارساتنا السياسية سواء كمجتمع أو كفاعلين سياسيين.
وعلينا الاعتراف بأن «القوم سبقونا الى الديمقراطية بأحقاب» وبالتالي وجودنا في هذه المكانة يستحق التنويه وإن كنا نرنو الى الأفضل.
وهذا المؤشر المهم يشي بأن لدى تونس الفرص وكل الإمكانات لمزيد التقدم في مجال الديمقراطية والحريات العامة والفردية من أجل ان تصبح ديمقراطية تامة.
ورغم ان هذا المؤشر ليس له تبعات اقتصادية آلية أو مباشرة لكن قيمته الاعتبارية والرمزية يمكن الاشتغال عليها ديبلوماسيا واعلاميا وتسويقها للاستفادة منها بطريقة أو بأخرى لتكون لها منافع او مردود اقتصادي.
وفي انتظار الاستحقاق الرئاسي القادم والذي بالتأكيد سيعزز مكانة تونس في النادي الديمقراطي إذا ما تم في أفضل الظروف.
كما ان الدرس المستخلص ربما من هذا المؤشر لنا نحن التونسيين هو أن فسحة الحرية القائمة الآن لا يمكن التخلي عنها او التفريط فيها ويصعب الآن العودة الى الوراء مهما كانت الظروف.
وصفوة القول إن تونس ماضية في طريق الديمقراطية رغم كل التحديات والصعوبات وجيوب الردة ولا ننسى ان رئيس الجمهورية قيس سعيد قال في اكثر من مرة وفي استلهام من الرئيس الفرنسي شارل ديغول : «ليس في مثل هذه السن أصبح ديكتاتورا».
مرفق القضاء حجر الأساس في بناء الدولة ومؤسساتها : ..والعدل أساس العمران..
هل نحتاج الى استحضار مقولة علاّمتنا الكبير عبد الرحمان بن خلدون: «العدل أساس العمران» للت…