الشيك دون رصيد : يخفي معاناة آلاف التونسيين …فهل يكون عدم التجريم حلاّ ؟
لاشك أن مقترح قانون العفو العام في جريمة إصدار الشيك دون رصيد الذي تمت إحالته إلى لجنة التشريع لمناقشته يستجيب لتطلعات شق كبير من التونسيين ويمثل مطلب عديد الأطراف من مجتمع مدني ومؤسسات والتي ترى أن السجن وسلب الحرية لا يمثل الحل خاصة وان الشيكات دون رصيد دمرت حياة العديد سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
ولعل مقترح العفو العام في جريمة الشيك دون رصيد يتنزل في إطار العديد من المعطيات الصادمة على جميع المستويات منها تلك المتعلقة بتسجيل أرقام قياسية في عدد الشيكات المرفوضة من قبل البنوك وفرار آلاف التونسيين إلى الخارج هربا من أحكام سجنية قاسية بعد دخولهم في دوامة العجز المالي الذي حتمته الظروف الاقتصادية ولعل العمل على تخفيف الإجراءات القضائية المتعلقة بقضايا الشيك دون رصيد يتماشى ويستجيب مع دعوات آلاف التونسيين الملاحقين في هذا النوع من القضايا والذين يقبعون في السجون لعدم القدرة على الخلاص وأغلبهم من صغار المستثمرين.
حيث صرح النائب نزار الصديق انه تم تقديم مبادرة تشريعية لمكتب مجلس نواب الشعب تتعلق باقتراح عفو عام في جريمة إصدار صك دون رصيد. وأوضح ان مقترح العفو يشمل القضايا التي تم تسجيلها قبل 1 جانفي 2024 مؤكدا أن الاقتراح لا يمس بحق الغير خاصة المستفيدين من الشيكات. كما اعتبر ان إيداع المتورط في إصدار الشيك دون رصيد السجن لن يؤدي إلى خلاص المتضرر مشيرا إلى اقتراح إجراءات تسعى إلى التخفيف من أضرار وتداعيات هذه الجريمة في حال إقرار العفو.
ويقول في هذا السياق الناطق الرسمي باسم الجمعية الوطنية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة عبد الرزاق حواص أن إلغاء عقوبة الحبس للملاحقين في قضايا الشيكات عبر إلغاء أحكام الفصل 411 من المجلة التجارية سينهي معاناة آلاف التونسيين ومن أبرزهم صغار ومتوسطو المستثمرين الذين يدفعون ثمنا باهظا بسبب نقص السيولة لديهم واستعمال الشيكات كوسيلة دفع مؤجلة وسيمكن من إنعاش الدورة الاقتصادية ويسمح لأصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة من استعادة أنشطتهم دون ضرر بالإضافة إلى أنها آلية لحصر عدد البنوك الموازية ووضع حد للاقتصاد الموازي والشركات المتهربة ضريبيا ناهيك أنها آلية للتخفيض في التضخم المالي ووسيلة ناجعة تدفع البنوك إلى العودة والمساهمة في الدورة الاقتصادية من خلال غلق باب الاقتراض الوهمي.
ويؤكد محدثنا أن الأزمة الاقتصادية وصعوبة الحصول على القروض البنكية دفعت بالعديد من المؤسسات الصغرى والمتوسطة ببلادنا إلى اعتماد الصكوك البنكية (شيكات ضمان)، مما تسبب في تفاقم عدد قضايا الشيكات دون رصيد التي تحال على دوائر القضاء نتيجة التعثر في سداد المبالغ المستحقة .ويشكو صغار المستثمرين والتجار من ارتفاع مخاطر الشيكات دون رصيد وتراجع الثقة في الصكوك البنكية التي تحوّلت من وسيلة دفع رسمية إلى أداة للتهرب من الخلاص أو التحيل لدى بعضهم.
ويعيش المستثمرون التونسيون صعوبات مالية كبيرة تدفع بعضهم إلى المخاطرة بإصدار صكوك بنكية لضمان معاملاتهم أو تأجيل الدفع مما جعل العديد منهم مهددين في حرّياتهم بدخولهم السجن وذلك ما تسبب في إفلاس العديد من المؤسسات حيث أحصت الجمعية 88 ألف مؤسسة أفلست سنة 2021 وارتفع العدد ليبلغ 140 ألف مؤسسة سنة 2022 وبلغ 200 ألف مؤسسة سنة 2023 ووفق الإحصائيات الأخيرة فان 73 بالمائة من المؤسسات ليست لديها سيولة بالإضافة إلى غلق البنوك لأبواب «الروج» أي السلفة المسبقة على الدخل .ويشير محدثنا الى انه وفقا لآخر التصريحات لقاضي العقوبات فقد بلغ عدد الموقوفين بالسجون بسبب الشيكات دون رصيد 7200 سجين و450 ألف مفتش عنهم في قضايا صكوك دون رصيد.
ويؤكد حواص في السياق ذاته أن الجمعية وجدت وفق إحصائيات قامت بها على عينة من 1300 مؤسسة أن 76 بالمائة منها محكومة بالنفاذ العاجل وصكوك دون رصيد ويعتبر محدثنا في الآن ذاته أن الشيك دون رصيد يعد بمثابة الوليمة تنتفع منها البنوك بنسبة 20 بالمائة والدولة 40 بالمائة وشركات الاستخلاص 20 بالمائة كما انه يمثل وسيلة لتصفية المنافسين في السوق من قبل بعض اللوبيات .
ويرى محدثنا ان المبادرة التشريعية لمجلس نواب الشعب لابد أن تسبق تنقيح القانون الجديد مشيرا في الآن ذاته الى أنه لا يقع تطبيق القانون بحذافيره على الطرفين وفق ما ينص عليه الفصل 410 من المجلة الجزائية و ثمّن المبادرة التشريعية المتعلقة بالعفو العام معتبرا الفصل 411 بالمجلة التجارية الخاص بالشيكات أسفر عن تضرر العديد من المؤسسات خاصة في ظل الأزمات الظرفية التي شهدتها البلاد في فترة الكوفيد. وأشار في الان ذاته إلى أن مبادرة العفو العام تحضّر الأرضية لمشروع الحكومة في هذا الصدد من خلال مشروع قانون لتنقيح المجلة التجارية في علاقة بالشيكات دون رصيد. كما أكد على أهمية رجوع الشيك إلى أصله بوصفه تعاقدا مدنيا.
في هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن عدد الشيكات التي تم رفضها من البنوك بلغ 417 الف شيك وفق احصائيات البنك المركزي حيث أحصى البنك المركزي التونسي 25،27 مليون شيكا (بتراجع بـ0،1 بالمائة) خلال سنة 2023 بقيمة إجمالية قدّرت بقيمة 123،9 مليار دينار (بزيادة بـ4،6 بالمائة)، وفق ما أظهرته النسخة السابعة من نشرية الدفوعات بتونس الخاصّة بسنة 2023.
وتمّ رفض 417 ألف شيك ولم تتجاوز، تبعا لذلك، نسبة الشيكات المرفوضة، لأسباب مختلفة، 1،65 بالمائة. وقدرت قيمة هذه الشيكات بـ3،5 مليار دينار ما يعادل نسبة 2،84 بالمائة من قيمة الشيكات ضمن العمليات المتبادلة. ويعزى رفض الشيكات اما الى عيوب شكلية (0،5 بالمائة) أو إلى عدم توفر الأرصدة الكافية لتغطيتها (1 بالمائة)، وفق المصدر ذاته.
في السياق نفسه يقول الخبير الاقتصادي جمال الدين عويديدي أن البنوك تمثل القطاع المستفيد من الشيكات وتعمل بكل ثقلها على الإبقاء على الوضع على ما هو عليه دون تغيير لان في تغييره ضررا لها إضافة إلى عديد الأطراف الأخرى المستفيدة من هذه الوضعية كما أن تشابك المصالح يجعل الوضع مستمرا على حاله …ويرى محدثنا في الآن ذاته أن الحل لا يكمن في سلب الحرية ولكن في إيجاد حلول أخرى تحفظ حق الطرفين لان سلب الحرية –السجن – له تداعيات على كل الأصعدة (اقتصادية واجتماعية) معتبرا في الآن ذاته أن انهيار المنظومة الاقتصادية وتهديم القواعد الأساسية للاقتصاد الوطني التونسي يمثل السبب الأساسي في ارتفاع عدد الشيكات دون رصيد ….
لتطوير منظومة الصناديق الاجتماعية وضمان ديمومتها : انطلاق العمل على ثلاثة محاور
إصلاح الصناديق الاجتماعية والانخراط في مسار البناء يعد من ضروريات المرحلة ومتطلباتها ،اذ ت…