2024-02-15

2024، سنة انتخابية بامتياز : سؤال الإقبال والمشاركة مطروح بحدّة..!

كما كان متوقعا ومنتظرا، حسم رئيس الجمهورية قيس سعيد الأمر بالتأكيد على أن المواعيد الانتخابية القادمة ستتم في موعدها بما في ذلك الانتخابات الرئاسية، ونزّل هذا الاستحقاق الانتخابي ضمن خارطة الطريق التي أعلنها في إطار مشروعه السياسي والتي تضمّنت استفتاء وانتخابات لنواب الشعب وأخرى لأعضاء المجالس المحلية شهدت في مجملها إقبالا محدودا وعزوفا غير مألوف في التجربة التونسية منذ ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة.
ويعود عنصر غياب المفاجأة في هذا الحسم الى ما أنجزته وعبّرت عنه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وما ظهر في بنود ميزانية الدولة للعام 2024 حيث تم تخصيص مبلغ مالي مهم كفيل بإجراء عدد من المحطات الانتخابية تشمل الدور الثاني للمجالس المحلية وانتخابات جزئية لـ«سد الشغورات» أو «استكمال تركيبة» مجلس نواب الشعب ـ بما أن الأمر محل خلاف في التكييف اليوم بين الهيئة والمجلس ـ وانتخابات رئاسية وحتى بلدية إذا سارت الأمور كما وقع التخطيط لها.

هذا ولئن لم يحسم رئيس الجمهورية علنا موقفه من الترشح من عدمه في الانتخابات الرئاسية القادمة وهو الماسك بالمشروع برمّته، فان موقفه جدّ هام في هذا الظرف وفيه رسالة للخارج وأخرى للداخل.
للخارج، طبيعي جدا ان تطمئن هذه الخطوة شركاء تونس وأصدقاءها وحتى خصومها، على ان ما يعبّرون عنه باستكمال المسار السياسي وبناء المؤسسات جار بنسق هادئ وبطيء.
للداخل، برهن ساكن قرطاج انه ما يزال يمسك بالمبادرة وانه ماض في استكمال مشروعه السياسي بنفس المقاربة ونفس الأهداف على قاعدة محاربة الفساد واستبعاد الفاسدين من الحكم بل ومحاسبتهم مع التبشير دائما بتحقيق إرادة التونسيين وكتابة تاريخ جديد لهم.

وبقطع النظرعن المعنيين بالسباق الرئاسي أو حتى النيابي أو البلدي فالأمور تكاد تكون واضحة بين من اختار المقاطعة المبدئية او المشاركة المشروطة او الانتظار لانبلاج حقائق ومعطيات ومعادلات جديدة، يبقى السؤال الرئيسي متصلا بالإقبال على الاستحقاقات الانتخابية والمشاركة فيها بنفس الزخم المعهود ليس لإضفاء المصداقية على هذه الانتخابات فقط ومجازاة المترشحين والناخبين فيها وإنما تثبيت الشرعية والمشروعية من خلال نسبة إقبال محترمة على الترشح والدعاية والاقتراع..
صحيح أن التشريعات الجاري بها العمل في المجال الانتخابي اليوم لا تضع سقفا أو عتبة لنسبة المشاركة من أجل تثبيت النتائج التي تفرزها الصناديق كأن يتم اشتراط ثلث الجسم الانتخابي أو نصفه أو ثلثيه لكن التمثيلية الحقيقية مهمة للغاية ولا يمكن تجسيدها إلا من خلال الانخراط الفعلي في العملية الانتخابية في كل مراحلها وليس فقط في عملية التصويت ذات يوم أحد في أحد المكاتب في قاعة من قاعات المؤسسات التربوية تحت أنظار اعوان هيئة الانتخابات وربما المراقبين والراصدين والتلفزة الوطنية.

وهنا لا يمكن عزل مسألة الإقبال والمشاركة عن المناخ الذي تجري فيه الانتخابات حتى وان كانت بعض القراءات المتفائلة تذهب إلى أن الاستحقاق الرئاسي خلافا لبقية الانتخابات، استحقاق جماهيري بحكم الثقافة السائدة في المجتمع التونسي الميّال إلى النظام الرئاسي أو كما يقول البعض عدم التخلص من عقدة الأب دون ان ننسى ما أفرده الدستور الجديد من صلاحيات كبرى لساكن قرطاج.
وحتى بالمنطق المادي، يصعب جدا تبرير وشرعنة انتخابات محدودة في جماهيريتها باعتمادات مالية مهمّة في ظل أوضاع اقتصادية اقل ما يقال عنها أنها صعبة على التونسيين.

ولا ننسى أيضا ان أي حديث اليوم عن الديمقراطية وعن التمثيل الشعبي بصيغه التقليدية اي الانتخابات يندرج ضمن الآليات الديمقراطية عبر الوسائط التقليدية أيضا أي الأحزاب والجمعيات والمنظمات الجماهيرية التي تؤطّر المواطنين وتؤمّن لهم المشاركة في الشأن العام ولا فرق في تقديرنا بين كيانات سياسية ومدنية معلنة بتأشيراتها القانونية وبين كيانات وحركات مواطنية مهيكلة ومنظمة ومتجذرة ولها من ينطق باسمها ويمثلها أمام الجمهور الواسع حتى وان تستّرت وتنصّلت من الهوية الحزبية والجمعياتية تحت يافطة التفسير والاستقلالية والتعفف عن التحزّب وغيره..
وفوق كل هذا، لا يخفى على أحد ان الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تلقي بظلالها على الاهتمام والاشتغال بالشأن العام، وهذا العنصر هو في تقديرنا أيضا من الأسباب التي غذّت العزوف في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة حيث تساءل الناخب التونسي عن جدوى الذهاب إلى صناديق الاقتراع في الوقت الذي فشل فيه الخارجون منها في تحقيق وعودهم كما تساءل البعض عن الفرق بين الطابور من اجل الاقتراع والطابور من اجل الظفر بالمواد الأساسية أمام المغازات والمخابز..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!

تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…