فشلت المنظومة الاممية بكل هياكلها ومؤسساتها وأدبياتها في وضع حدّ للحرب الصهيونية على غزة والتي ازدادت توسعا وشراسة بتحوّل الشطر الشمالي من القطاع الى جبل من الانقاض ومن تحته مدافن واسعة تضمّ آلاف المفقودين… وعلى أرض المعركة ثمّة أكثر من 28 ألف شهيد أغلبهم من النساء والاطفال وما تزال الآلة الاجرامية الصهيونية بصدد ابادة السكان الاصليين في قطاع غزة مع استمرار التهجير القسري عبر عملية قصف عشوائي واكتساح عسكري متوقع لرفح في الركن الجنوبي من القطاع…
وفي الاثناء تجري المفاوضات في القاهرة من أجل هدنة بستة أسابيع يتم خلالها تبادل الاسرى بشروط الاحتلال الصهيوني وبرعاية الولايات المتحدة الامريكية والتي يمثلها في هذه المفاوضات مدير الاستخبارات الامريكية «وليام بيرنز» وبحضور رئيس الموساد الصهيوني وعلى الجانب الفلسطيني تحضر قطر كوسيط مفاوض اضافة الى عدد من القيادات الامنية والعسكرية المصرية مع تواجد وفد عن حماس بالعاصمة المصرية يرأسه القيادي «خليل الحية» وقد تم وضع اتفاق هدنة بستة أسابيع ما يزال محلّ خلاف بين المتفاوضين اضافة الى شروط الكيان الصهيوني الذي طلب اطلاق سراح كل الرهائن المحتجزين لدى حماس حتى تتم الموافقة على الهدنة ما ترفضه حماس والتي تطلب بدورها مقابل ذلك اطلاق سراح كل الموقوفين في سجون الكيان الصهيوني وما تزال المفاوضات متوقفة (وقد فشلت بحسب الاخبار الواردة من القاهرة) عند هذه النقاط المستعصية وعلى الأرض تواصل الآلة العسكرية الصهيونية عمليات الابادة في غزة التي تحوّلت الى مقبرة جماعية عشوائية لآلاف القتلى حيث الجثث ملقاة في الشوارع في مشهد مروع وقيامي لكأنه صورة مكثفة لنهاية العالم…
ورغم فداحة الجريمة فإن الضمير العالمي لم يتحرك بما يضع حدّا لهذه المأساة الانسانية وكما فشل المنتظم الاممي في التوصل الى قرار دولي يلزم الكيان بايقاف الحرب رغم الصرخة المدوية التي أطلقها الامين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش» خلال زيارته لمعبر رفح حيث طالب وبصوت عالٍ بايقاف الحرب وقد ادانته دولة الاحتلال واتهمته بدعم «الارهاب» الذي تمثله «حماس» وطالبته أمريكا بالتزام الحياد…!
وكما هو بيّن وكما ذكرنا سابقا نحن اليوم أمام سقوط أخلاقي كبير لما يسمّى «بالقوى العظمى» وخاصة أمريكا التي ترعى الجريمة الصهيونية في غزة وتدعم الكيان بالمال والعتاد وبالخبرات العسكرية المتواجدة مباشرة على أرض المعركة وهي التي تدير الحرب في الواقع مقابل صمت أو بالاحرى تبعية دول الاتحاد الاوروبي وخاصة فرنسا وألمانيا وبريطانيا وهي ذات الدول التي لم تتردد في فرض عقوبات قاسية ضدّ روسيا عندما أعلنت الحرب على أوكرانيا بل سارعت بالوقوف معها عسكريا واستخباراتيا ضد الغزو الروسي الاّ أن الامر يختلف مع «الكيان المدلّل» الذي تحضنه أمريكا وترعاه فلا أحد بإمكانه الاقتراب منه أو التفكير في قرارات عقابية ضدّه أو حتى إدانته في المنتظم الاممي الذي تديره القوى العظمى وتتحكم في قراراته عبر ما يسمى بحق النقض (الفيتو)… ما أفقد هذا المنتظم مصداقيته ومشروعيته التاريخية وهو الذي تأسس من أجل الدفع الى علاقات دولية تحفظ سيادة الدول الوطنية وقيم التعايش بين الشعوب والثقافات مع رفض كل أشكال الاستعمار أو الانتهاك للأراضي الوطنية…
لقد فشل العالم ومنتظماته في «اختبارات الضمير» والاخلاق وسقطت أوروبا الديمقراطية» في التبعية لامريكا فكما اندفعت الى الاصطفاف ضدّ روسيا في حربها على أوكرانيا فإنها اصطفت دون تردّد وراء الادارة الامريكية في دعمها لاسرائيل وفي تبنيها للموقف الامريكي الذي لم يتعب من ترديد تلك الجملة التي مهدّت للجريمة في غزة ومفادها أنه «من حق اسرائيل ان تدافع عن نفسها…»
وقد تبنى الغرب الاوروبي هذه المقولة ووضعها كمقدمة مُثلَى في كل تبريراته للحرب الصهيونية على غزة التي «أبادت شعبا» بأكمله تحت عنوان «الدفاع عن النفس» بعد هجوم 7 أكتوبر الذي نفذته حركة حماس والذي لم يكن في الواقع سوى «تعلّة» التقطتها اسرائيل لتبرير الحرب على غزة وهي حرب بحسب زعمها من أجل انهاء وجود حركة حماس في القطاع…
والسؤال ـ هنا ـ هل يتطلب ذلك كل هذا الدمار وهل يستدعي الأمر ابادة شعب بأكمله ـ فقط ـ من أجل اقتلاع حركة حماس من القطاع… وهل يستدعي الامر هذا الحجم من التحالف الاوروبي الامريكي؟ وهل يتطلب تحريك قطع بحرية حربية ضخمة ثمّ محاصرة المنطقة برا وبحرا وجوّا… ـ فقط ـ من أجل انهاء وجود حماس.. هل يستأهل الأمر إبادة أكثر من 28 ألف مواطن فلسطيني..؟
لا أعتقد أن المسألة على هذه البساطة خاصة اذا تأملنا بعمق طبيعة العلاقات الدولية اليوم المرتهنة تماما الى عنصرين أساسيين وهما «القوّة والهيمنة» لفرض «الوجود والحدود» كما جاء في «نبوءة» «صامويل هيننغتون» في مؤلفه صراع الحضارات» والذي نشره مطلع التسعينات وأكد فيه بان الحروب القادمة ستكون مدمّرة وشرسة كونها «حروب لفرض الوجود والحدود» وأكد على مسألة شديدة الخطورة وهي أن هذه الحروب لن تكون سياسية أو ايديولوجية وإنما ستكون حروبا ذات نزوع ديني وهو ـ هنا ـ انما يشير الى اختلاف حضاري لن يحسم بالحوار بل بالقوّة وبالهيمنة وعبر حروب شرسة ستخاض باسم الهوية الدينية لكنها لن تكشف عن نزوعها الديني..! هذا ما ذكره المفكّر الاستراتيجي «صامويل هينتغنون» في كتابه «صراع الحضارات» وهذا ما يحصل اليوم في غزة «لفرض الوجود والحدود» كما يريدها الغرب الاوروبي والامريكي والذي يعتبر اسرائيل امتدادا له في المنطقة ما يفسر ـ أيضا ـ تحالفه اللامشروط من أجل اسرائيل… وما تاريخ 7 أكتوبر الذي نفذت فيه حركة حماس عمليتها سوى تلك «القدحة» التي التقطتها اسرائيل ومن ورائها كل الامتداد الاوروبي الامريكي لتأصيل وجود الكيان في المنطقة ولفرض الحدود التي لا نعرف من أين تبدأ وأين تنتهي لكنها ـ ودون شك ـ ستأكل الكثير من أراضي المنطقة العربية..!
«مجلس أعلى للثقافة».. من أجل إعادة البناء..!
من أكثر القطاعات التي تحتاج الى «حرب تحرير وتطهير» كبرى، قطاع الثقافة و«ثكنته البيروقراطي…