2024-02-08

بين الوظيفة التنفيذية والبنك المركزي: نــقــطــة نـــظـــــام..!

صادق مجلس نواب الشعب على مشروع القانون المتعلق بالترخيص للبنك المركزي التونسي منح تسهيلات لفائدة الخزينة العامّة للبلاد التونسية، بسبب عدم تمكّن بلادنا من الاقتراض الخارجي ووجود التزامات ونفقات على الدولة أن تسدّدها في الآجال من بينها الأجور وجرايات التقاعد وخدمة الدين وغيرها مثلما فسّرت ذلك وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية خلال الجلسة العامة بالبرلمان مساء أول أمس الثلاثاء 6 فيفري 2024.

ويأتي ذلك بعد يوم فقط من تأكيد رئيس الجمهورية قيس سعيّد خلال لقائه برئيس الحكومة أحمد الحشاني في القصبة على أنه لا توجد أي مؤسسة عمومية مستقلة عن الدولة وأن البنك المركزي مؤسسة عمومية «ويجب أن تنصهر السياسة النقدية للبنك في إطار سياسة الدولة» على حدّ تعبيره.

ليس ذلك فحسب، قال سعيّد أن مسألة استقلالية البنك المركزي عن الدولة ظهرت بناء على وصفات من الخارج غايتها تفجير الدولة.

هي نقطة نظام أصرّ ساكن قرطاج تقديمها لوضع النقاط على الحروف تفاعلا مع الإطلالة الأخيرة لمحافظ البنك المركزي مروان العباسي في مجلس نواب الشعب بالذات وحديثه عن دور مؤسسته في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به تونس.

تشخيص واقعي

فللمرة الأولى منذ تنصيبه محافظا للبنك ذات 7 فيفري 2018 على قاعدة أحكام القانون الجديد الذي جعل من هذه المؤسسة سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية وهي مسألة مثيرة للجدل الآن، تحلّى مروان العباسي محافظ البنك المركزي الحالي بواقعية كبيرة وجرأة غير مسبوقة وفسّر للتونسيين أمام نوابهم في البرلمان حيثيات وتداعيات خطوة الترخيص للبنك المركزي في منح تسهيلات لفائدة الخزينة العامة للبلاد التونسية لسداد دين خارجي وذلك يوم الخميس 1 فيفري 2024.

واعترف العباسي أمام أعضاء لجنة المالية والميزانية بالبرلمان بأن الوضعية اليوم تعتبر صعبة نظرا لنسبة الاقتراض المرتفعة ونسبة النمو الضعيفة وضعف الاستثمار وصعوبة خلق الثروة وضعف الادخار وتطور التوريد الذي تسبّب في عجز ميزان الدفوعات.

وهذا التشخيص الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في نفس الوقت، واقعي، موضوعي ويتقاطع في جوهره وفي كثير من النقاط مع ما يطرحه طيف واسع من مكونات المجتمعين المدني والسياسي.

وقد برّر العباسي وجود مشروع القانون المتعلق بالترخيص للبنك المركزي التونسي في منح تسهيلات لفائدة الخزينة العامة للبلاد التونسية والقرض الذي سيمنحه البنك للدولة  مؤكدا أنه «ظرفي ويجب وضع قيمته يوم 14 فيفري 2024 على ذمة المُقرض».

وبالإضافة لذلك، ربط بين خلاص الديون ومقومات السيادة الوطنية وأكّد أن خلاصها في آجالها يجلب المستثمرين ويطمئنهم وخلص إلى أن الاستثمار هو الحل الأنجع لخلق الثروة وبالتالي لا مناص من استغلال إمكانيات الاستثمار المتاحة والعمل على إيجاد الحلول العاجلة لجلب العملة لأن القرض سيتم خلاصه بالعملة.

ومن بين تداعيات هذه الخطوة التي أقدم عليها البنك انخفاض احتياطي العملة 14 يوم توريد وسيكون لذلك تأثير على نسبة الصّرف دون أن ينجر عن ذلك تضخم.

وفي انسجام تام مع ما أتاه المحافظ مروان العباسي، اعتبر المدير السابق في البنك المركزي محمد سويلم في تصريح  تلفزي أن تمويل البنك لميزانية الدولة بسبعة مليار دينار هو أمر لا مفر منه وينطبق عليه مقولة مرغم أخاك لا بطل، مشددا على أن الأمر يجب أن يكون «استثنائيا ولا يكون عادة لأن عكس ذلك سيضر بالاقتصاد الوطني بشكل كبير خاصة في ملف التضخم وقيمة العملة».

سؤال المصير..

ان موقف البنك المركزي الذي يعبر عنه محافظه بكل وضوح كما أسلفنا علامة صحية فهو رغم الاختزال كشف الحقائق الأربع وبين أن هذه المؤسسة المستقلة بـ«قوة» وفق القانون هي في خدمة الدولة ومطالبة باتخاذ التدابير الاستثنائية ولو الموجعة من اجل إسناد الدولة وتمكينها من الاستمرار في أداء وظائفها والحفاظ خصوصا على سيادتها باعتبار أن التداين والاقتراض سواء كان داخليا أو خارجيا بالخصوص هو شكل من أشكال تعريض السيادة الوطنية للخطر والحكمة كما جاء في كلام مروان العباسي هي في تشجيع الاستثمار وما يعنيه ذلك من خلق للثروة ومن توفير لمواطن الشغل ومن تحقيق للتنمية.

ولا يمكن في تقديرنا النظر إلى موقف محافظ البنك المركزي مروان العباسي دون تنزيله في إطاره والتذكير بأن الرجل ينهي هذا الشهر ولايته على رأس البنك، ولا ندري ان كان مرشحا لولاية ثانية من جانب السلطة القائمة ممثلة في شخص رئيس الجمهورية قيس سعيد، وان كانت له هو نفسه الرغبة في ذلك وهو يتحدث الآن بخصال رجل الدولة المسؤول أمام الداخل والخارج فهو يصارح التونسيين من جهة بمن فيهم المضطلعون بأعباء الحكم، كما يوجه رسائل الطمأنة للأصدقاء والأشقاء في البلدان وفي المؤسسات المالية الشريكة لتونس.

لقد صنع العباسي لنفسه تاريخا شخصيا في مواقع العمل الدولية قبل تجربة البنك المركزي في تونس بتزكية من الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي وتمكن من «الصمود» في موقعه على امتداد ست سنوات رغم عدم الاستقرار السياسي والمؤسساتي وقاد السلطة النقدية كما يقال مع رئيسين للجمهورية وفي زمن خمس حكومات متعاقبة ليوسف الشاهد وإلياس الفخفاخ وهشام المشيشي ونجلاء بودن والآن مع أحمد الحشاني.

وقد طُرح اسمه في أكثر من مناسبة لرئاسة الحكومة بقي أن صلاحيات رئيس «السلطة النقدية» هي أكبر بكثير من صلاحيات ساكن القصبة وفي جميع الحالات يصعب اليوم التكهن بمستقبل الرجل «المهني» قبل موفى فيفري 2024 وخصوصا بعد أن وضع رئيس الجمهورية قيس سعيد النقاط على الحروف، وفي حال ظفره بولاية ثانية سيستمر على رأس البنك المركزي لمدة ست سنوات أي إلى غاية العام 2030 كما ينص على ذلك الفصل 46 من القانون عدد 35 لسنة 2016 المؤرخ في 25 أفريل 2016 المتعلق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي التونسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!

تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…