تونس اليوم ورشة عمل مفتوحة هذه الأيام وهو أمر لا تخطئه العين فنحن أمام ملفات مفتوحة في كل الاتجاهات بعضها يتقاطع بشكل مباشر وبعضها يمضي بشكل متواز ولكن كلها ملفات حارقة تحتاج إلى الحسم بسرعة ونجاعة.
ومن بين الملفات المطروحة بشكل جدي هذه الأيام ملف التدقيق في الانتدابات وملف تشغيل أصحاب الشهادات العاطلين عن العمل. وهو ما عاد عليه رئيس الجمهورية قيس سعيد لدى اجتماعه بالسيد رئيس الحكومة احمد الحشاني والسيدات ليلى جفال وزيرة العدل وسهام البوغديري نمصية وزيرة المالية وفاطمة بن ثابت شيبوب وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة.
وتقتضي الدقة هنا التأكيد على أن ملف التدقيق في الانتدابات الذي ينضوي تحت شعار تطهير الإدارة الذي رفعته السلطة منذ فترة لا يرتبط بشكل مباشر بموضوع تشغيل الإطارات العليا من الحاصلين على شهادات الدكتوراه والعاطلين عن العمل.
فملف التدقيق في الانتدابات والذي من الواضح انه أولوية قصوى خاصة ، وقد أكد رئيس الجمهورية على ضرورة التسريع فيه في هذا اللقاء الوزاري، يرتبط بشكل آلي بموضوع الفساد في الإدارة في العقد السابق حيث تم تمكين عدد كبير من الموظفين من التسرب في مفاصل الدولة خاصة في ملف ما عرف بالعفو التشريعي العام والذي تم في سياق استغلال النفوذ والمحاصصات الحزبية التي كانت أحد المداخل الرئيسية للفساد.
أما بالنسبة إلى ملف أصحاب الشهادات العليا الجامعية فهو يتقاطع مع الأول فمسألة الفساد والمحسوبية تحكمت في مصائر ثلة من الكفاءات التونسية وعرقلت مسيرتهم وجعلتهم لا يحصلون على أبسط حقوقهم وهو «الشغل» في حين أن هناك من تمكن من التغلغل في مفاصل المؤسسات العمومية وتحصل على مناصب مرموقة ومستواه التعليمي والمهني محدود ولا يخول له.
ولعل هذا ما طرحه رئيس الجمهورية بطريقة ما في هذا الاجتماع الوزاري بهدف الحث على الحسم في هذه الملفات.
وكان هذا اللقاء مناسبة ليؤكد رئيس الجمهورية على عديد الثوابت من بينها ضرورة أن تكون المرافق العمومية قائمة على الحياد وان كل من وضع ولاءه لحزبه في المقام الأول على حساب المصلحة العليا لتونس لن يكون خارج دائرة المحاسبة.
والأكيد أن ظاهرة الزبونية التي كانت سمة المرحلة التي تلت أحداث 14 جانفي 2011 ساهمت بشكل كبير في تفشي الفساد وفي تدهور أوضاع عموم التونسيين خاصة مع توظيف الانتماء الحزبي من أجل تحقيق مكاسب ومنافع مادية والوصول إلى مناصب عليا على حساب مستحقيها من أبناء الشعب التونسي الحاصلين على شهادات عليا مثل الماجستير والدكتوراه في تخصصات عديدة.
وهنا يمكن الحديث عن أهمية الفصل في هذه الملفات سواء تعلق الأمر بملف الانتدابات بطرق ملتوية وعبر المحاباة وتحديدا ملف المنتدبين في إطار العفو التشريعي العام أو بالنسبة إلى ملف تشغيل الإطارات العليا العاطلين عن العمل.
وقد جاء تأكيد على أنه لا مجال للتراخي في القيام بالواجب وتحمل المسؤولية في المرافق العمومية. فهناك عدد غير قليل من أصحاب المناصب الذين يتقاعسون عن القيام بدورهم لدواعي سياسية متصلة بانتمائهم الحزبي وما يفرضه عليهم الولاء لهذا الطرف السياسي أو ذاك.
وفي كل الأحوال من الواضح أن الإرادة السياسية العليا (والتي تتجلى من خلال إيلاء هذه الملفات صدارة الاهتمام والتركيز المكثف عليها) متجهة الآن إلى الحسم في كل «الورش المفتوحة» من أجل تنقية الأجواء ومباشرة ملفات التنمية التي هي ما يؤرق التونسيين حقا.
مرفق القضاء حجر الأساس في بناء الدولة ومؤسساتها : ..والعدل أساس العمران..
هل نحتاج الى استحضار مقولة علاّمتنا الكبير عبد الرحمان بن خلدون: «العدل أساس العمران» للت…