إفريقيا في قلب اهتمام القارة العجوز : هل ننخرط في مرحلة جديدة من العلاقات البينية؟
قارتنا «السمراء» في قلب الاهتمام الأوروبي مرة أخرى فالعلاقات بين الضفتين ذات أبعاد تاريخية وحضارية عميقة اتخذت أشكالا مختلفة من الروابط وعرفت مدّا وجزرا على امتداد حقبات التاريخ منذ «عولمة المتوسط» التي كانت قرطاج أحد أعمدتها.
واليوم تتجه الأنظار إلى روما حيث تنعقد قمة إيطاليا ـ إفريقيا يبدو الهدف المعلن لها هو إطلاق مرحلة جديدة من التعاون البيني.
ومن الملاحظ أن التعاون في المجال الطاقي هو العنوان الأبرز لهذه القمة المهمة بين القارتين.
ومن الملفات المهمة التي ينظر فيها قادة الدول ورؤساء الحكومات المشاركون في هذه القمة هناك مواضيع عديدة بمثابة تحديات مطروحة اليوم على القارتين ومن بينها الأمن الغذائي والتغيرات المناخية والهجرة والطاقة.
والأكيد أن تونس تضع عديد الرهانات على هذه القمة التي تشارك فيها من خلال حضور رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى جانب حوالي 27 رئيس دولة وحكومة من إفريقيا و أوروبا.
وباعتبار أن العنوان الأبرز للقمة هو التعاون في مجال الطاقة فإن بلادنا تعمل على وضع خطط في المرحلة الحالية من أجل تحفيز الاستثمار في مجالات الطاقات المتجددة وهو من المساعي التي تقوم بها تونس بشكل حثيث من أجل إرساء مقومات تعاون ناجع مع الشركاء الأوروبيين بالتحديد.
وتجدر الإشارة إلى أن القمة المنعقدة يومي 28 و29 من جانفي الجاري بروما ترنو ايطاليا من خلالها إلى تأمين إمدادات الطاقة من القارة السمراء في ظرف معلوم تعيش فيه جل البلدان الأوروبية عجزا طاقيا غير مسبوق جراء آثار الحرب الروسية الأوكرانية والتوتر الكبير بين حكام أوروبا والدب الروسي.
وتبدو طموحات ايطاليا ميلوني أبعد من هذا فرهان روما هو ضمان التزود من الغاز بالتحديد من بلدان المغرب العربي ليبيا والجزائر تحديدا واستراتيجيتها البعيدة هي أن تصبح قطبا طاقيا وجسرا تمر منه إمدادات الطاقة بين الضفتين.
والواضح أن ايطاليا تولي قدرا كبيرا من الأهمية للشراكة مع القارة الإفريقية خاصة وهي تعاني بشدة جراء الهجرة غير النظامية التي تشكل تهديدا أمنيا واقتصاديا لهذا البلد.
ومن الواضح أن المشاركات رفيعة المستوى منحت هذه القمة زخما كبيرا وجعلت الأنظار تتجه إليها بشكل لافت. وإذا كانت إيطاليا هي المتزعمة منذ صعود جورجيا ميلوني إلى سدة الحكم لمسار التعاون مع القارة السمراء فإن الحضور الكبير لقادة وزعماء أوروبا مؤشر واضح وجليّ لدعم الاتحاد الأوروبي لروما في هذا التوجه.
وتمحورت هذه القمة بالتحديد حول ما عرف بـ «خطة ماتي من أجل إفريقيا» نسبة إلى مؤسس مجموعة الطاقة الايطالية انريكو ماتي وتقوم على برنامج كبير يتضمن استثمارات ضخمة بمثابة مشاريع تنموية تهدف إلى دعم اقتصاديات البلدان الإفريقية للحد من التدفق الكبير للمهاجرين غير النظاميين نحو الضفة الشمالية للمتوسط. وبالتوازي مع هذا تأمين الإمداد الطاقي اللازم لإيطاليا وبالتبعية بباقي البلدان الأوروبية.
والجدير بالذكر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني قد قامت بتقديم خطة ماتي من أجل إفريقيا منذ أشهر وتحديدا في سبتمبر الماضي في الأمم المتحدة معتبرة إياها حلا للحد من الهجرة غير النظامية وتداعياتها الخطيرة.
ومن الواضح اليوم أن هناك اتفاقا واضحا بين ضفتي المتوسط من أجل الانخراط في مرحلة جديدة من التعاون البيني على أساس الندية ووضوح الأهداف والرؤى محورها تنمية شاملة في القارة السمراء للحد من توق الأفارقة إلى الالتحاق بالضفة الشمالية بحثا عن فرص العيش الكريم مع ضمان الإمداد الطاقي للقارة العجوز. وهو اتفاق يقوم على تبادل المنافع وضمان مصلحة الطرفين الإفريقي والأوروبي وربما إعادة الوهج إلى العلاقات القديمة التي تعود إلى مرحلة ما قبل التاريخ عندما كانت أشكال التعاون مختلفة ولكنها متوازنة.
واليوم ومع التحولات الجيوسياسية التي يعيشها العالم وتتأثر كل البلدان بارتداداتها الخطيرة سواء تعلق الأمر بحرب روسيا وأوكرانيا أو بحرب الإبادة التي يشنها الكيان الغاصب على غزة المحاصرة فإن البراغماتية تقتضي أن يدافع كل طرف عن مصلحته وان يؤسس علاقاته على أساس منفعته.
والأكيد أننا نحن التونسيون في قلب هذه المعادلة التي من المهم أن نستفيد منها اكبر قدر من الاستفادة وينبغي أن نكون حجر الزاوية في أي اتفاق شراكة أو مشاريع استثمارية كبرى في هذا الخصوص خاصة وان بلادنا أعلنت بوضوح في أكثر من مقام أنها لن تكون «حارسا» للبوابة الجنوبية لأوروبا.
لكن هذا لا يحجب عنا القضايا الشائكة في العلاقة بين تونس تحديدا وايطاليا لاسيما وان مذكرة التفاهم التي تم إقرارها لم تفعّل على ارض الواقع حتى اليوم رغم الزيارات المتكررة لجورجيا ميلوني إلى تونس.
وما تزال حتى اليوم الكثير من القضايا العالقة بخصوص ملف الهجرة غير النظامية بالتحديد خاصة بعد وفاة عديد المهاجرين التونسيين في ايطاليا وتعامل السلطات الايطالية معهم بعدم اكتراث.
مرفق القضاء حجر الأساس في بناء الدولة ومؤسساتها : ..والعدل أساس العمران..
هل نحتاج الى استحضار مقولة علاّمتنا الكبير عبد الرحمان بن خلدون: «العدل أساس العمران» للت…