2024-01-28

الرياضات الجماعية تعيش على وقع الخيبات المتتالية : اسـتـراتـيـجـيات غائبة.. ومنافسة مــــحلية ضعيفة وافتقار للمواهب

تواصلت خيبات الرياضة التونسية في مطلع العام الجديد حيث تلقت ضربتين موجعتين في أقل من 24 ساعة في أعقاب خروج منتخب كرة القدم المخيّب من الدور الأول لكأس افريقيا وفشل «سواعد» كرة اليد في بلوغ الدور النهائي لبطولة افريقيا أمام «الفراعنة» في تأكيد على التراجع الرهيب الذي تعرفه الألعاب الجماعية في السنوات الأخيرة حيث أصبحت المنتخبات الوطنية عاجزة عن المراهنة بعد أن كانت مسيطرة على الساحة القارية وخاصة في رياضات القاعات.

وبعيدا عن التحاليل الجوفاء التي تحاول تلخيص الفشل في هيكل أو طرف معيّن، كانت الخيبة الأخيرة انعكاسا حقيقيا لواقع مرّ زادته قتامة الصراعات الجانبية والبحث عن التموقع لتكون خدمة الرياضة آخر الاهتمامات طالما وأن الأسباب واضحة وهي ابتعاد الكفاءات عن دائرة القرار وسياسة الانفراد بالرأي فضلا عن الوضع الاقتصادي الصعب الذي انعكس على الشأن الرياضي لتغرق الجمعيات في الديون وتفشل في القيام بدورها الرئيسي وهو التكوين.

وعلاوة على دور الاطارات الفنية في خيبات المنتخبات الوطنية في الرياضات الجماعية والتي جعلتها تخسر الريادة، لاح جليا تأثير غياب استراتيجية واضحة وجدية للنهوض بالقطاع الرياضي الذي تردى كثيرا في الوقت الذي تعرف فيه أغلب الدول الافريقية نهضة كبيرة تجلت في البنية التحتية والموارد المالية والاستثمار اللامحدود لتبرز على الساحة قوى جديدة نجحت في صعود السلم تدريجيا وصارت حاضرة في المحافل الكبيرة على غرار الرأس الاخضر المتألقة في أغلب الألعاب الجماعية.

كرة القدم: زلزال كبير

هزّ خروج المنتخب الوطني من الدور لكأس افريقيا الكرة التونسية وكان وقعه أشبه بزلزال حقيقي حيث فشل «نسور قرطاج» في تحقيق الحدّ الأدنى المطلوب رغم تواجدها في مجموعة سهلة ليتأكد التراجع الكبير في مستوى اللعبة الشعبية الأولى في تونس والذي لم يمحه بعض النتائج أو الإنجازات العابرة، وكانت الخيبة في «الكان» نتاجا يعد طبيعيا لواقع صعب ومشهد تنخره الصراعات والخلافات والانقسامات لتكون الحصيلة في النهاية على قدر النوايا، ولئن لم يتعوّد المنتخب الوطني على حصد الألقاب فإن الخروج من الباب الصغير كان أشد إيلاما من خسارة الريادة في باقي التتويجات بحكم أن كرة القدم هي المرآة الحقيقية للرياضة التونسية.

ولعبت عديد العوامل دورا في نكسة المنتخب الوطني وأهمها ضعف البطولة الوطنية التي لم تعد قادرة على إنجاب مواهب واهتراء البنية التحتية بما يجعل التكوين الصحيح من ضربا من المستحيل فضلا عن المشاكل المالية التي تغرق فيها الفرق وجعل سلطة القرار عند مسؤوليها غائبة، كما زادت غياب استراتيجية واضحة في تعميق المشاكل داخل المنتخب الوطني الذي دفع ضريبة غياب الجاهزية والارتهان لعناصر لم تعد قادرة على العطاء.

كرة اليد: لم يكن بالإمكان أفضل مما كان

كانت الخسارة ضد المنتخب المصري في نصف نهائي «الكان» متوقعة وغير مفاجئة بحكم البعد الكبير الذي أخذه «الفراعنة» في السنوات الأخيرة ليتواصل ابتعاد المنتخب الوطني عن الريادة القارية في تأكيد متجدد على أن الرياضة التونسية عليلة وتحتاج الى علاج سريع، فكرة اليد التونسية حققت الانجاز الاكبر بوصولها الى المربع الذهبي لبطولة العالم 2005 وكانت مهيمنة على الساحة القارية لكنها دفعت باهظا ثمن الضعف التسييري والقرارات المرتجلة لتكون العودة الى «الحرس القديم» الذي يحاول تعديل الأوتار وإعادة البناء الذي يتطلب سنوات لجني ثماره.

ولعل تقلص عدد المحترفين في أوروبا وهجرة الركائز نحو البطولات الخليجية من أسباب تذبذب نتائج المنتخب الوطني فضلا عن التغييرات المستمرة في نظام البطولة والتي أفقدتها النكهة اللازمة وجعلت التنافس غائبا وهو ما انعكس على المنتخب الوطني الذي عجز عن مقارعة نظيره المصري وأصبحت نتائجه في المونديال ضعيفة ليبقى الأمل في صحوة المدارس التقليدية في اللعبة وصعود جيل جديد قادر على إعادة الإشعاع.

كرة السلة: نهاية جيل

كانت الكرة البرتقالية من العلامات المضيئة في العشرية الفارطة حيث اعتلى المنتخب الوطني عرش القارة الافريقية الذي كان الوصول اليها حلما صعب المنال لكن وجود جيل متميز ضم مكرم بن رمضان ورضوان سليمان وصالح الماجري بقيادة مدرب مقتدر وهو عادل التلاتلي أهدى كرة السلة التونسية تتويجات تاريخية لم يقع استثمارها على الوجه الأكمل لتتراجع النتائج في العامين الأخيرين مع اعتزال الركائز اللعب دوليا وعدم قدرة البقية على تقديم الأفضل في تأكيد على نهاية جيل تاريخي.

وعلى غرار بقية الألعاب الجماعية، تجاهل المسؤولون الأصناف الشابة وفشلت استراتيجية الجامعة في استثمار النجاحات السابقة لتصبح في قفص الاتهام بخصوص سياستها في التسيير والاختيار لتكون المحصلة ضعيفة بل كارثية مثلما حصل في بطولة دبي الدولية المخصصة للفرق والتي شارك فيها المنتخب الوطني واكتفى ببلوغ دورها ربع النهائي.

الكرة الطائرة: ريادة ضائعة

كان العام الفارط للنسيان بالنسبة الى منتخب الكرة الطائرة الذي غادر كأس افريقيا منذ الدور ربع النهائي وفشل في اقتلاع بطاقة العبور الى الألعاب الأولمبية باريس 2024 ما يبرز عمق المشاكل التي تعيشها هذه اللعبة التي أهدت الرياضة التونسية تتويجات لا تحصى ولا تعدّ وكانت مصدر الفرحة الأول رفقة منتخب كرة اليد لكنها تركت المجال لمصر من أجل افتكاك الريادة بسبب الصراعات التي نخرتها وأدت إلى تفكك المكتب الجامعي السابق ليقع تعيين هيئة تسييرية.

وعلى غرار بقية الرياضات، أثرت هيمنة القطب الواحد على البطولة الوطنية على مستوى اللعبة لتصبح في اتجاه واحد مع تراجع مستوى عديد الاقطاب التي كانت منجما لا ينضب بالمواهب في ظل الصعوبات الخانقة التي تعيشها وتكاد تقضي على اللعبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

نقطة ضوء وسط عتمة الأداء المجبري يفتح صفحة جديدة مع «النسور»

كان متوسط الميدان حنبعل المجبري الشمعة المضيئة في مواجهة المنتخب القُمري حيث تزامن ظهوره ا…