في التأقلم مع التغيّرات المناخية : منطلقات لحوكمة مائية مستدامة..
كثر الحديث في الآونة الأخيرة سواء في تونس أو إقليميا ودوليا حول التغيّرات المناخية وتداعياتها على الطبيعة والإنسان واعتبارها مهدّدا مباشرا للإنسانية وللسلم الاجتماعية، حيث تعيش أغلب البلدان اليوم بما فيها تونس على وقع الشح المائي بما يستوجب التفكير في تجاوز النقائص التي تشوب السياسة المائية المعتمدة في بلادنا وايجاد حلول ناجعة وعملية بهدف ضمان حوكمة مائية مستدامة بيئيا تحظى بمقبولية مجتمعية وفي تأقلم مع ظاهرة التغيّرات المناخية .
فآثار التغيّرات المناخية أثرت بشكل مباشر على الموارد المائية حيث أصبحت تعيش بلادنا تحت وطأة الشح المائي والجفاف بسب قلة الأمطار في السنوات الأخيرة بالتزامن مع الارتفاع غير المسبوق لدرجات الحرارة وكما هو معلوم فان بلادنا تحتوي على كميات من المياه الزرقاء تقدر بـ4.9 مليار متر مكعب وهو ما يمثل ٪13 فقط من المياه الجملية التي تنزل على بلادنا (مياه أمطار) طيلة الأربعة عقود الأخيرة تقريبا ٪55 منها تمثل مياها سطحية يتم تخزينها في السدود والبقية في شكل مياه جوفية غير عميقة تبلغ 50 مترا تحت الأرض والأخرى مياه عميقة وتمثل ٪65 في الجنوب التونسي وتحديدا في الحوض الكبير الذي تقتسمه بلادنا مع ليبيا والجزائر.
وتتمظهر النتائج السلبية للتغيّرات المناخية في العقود الأخيرة في انخفاض مستوى الأمطار وتفاقم فترات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة حيث تواجه بلادنا حاليا السنة السادسة من الجفاف على التوالي بسبب هذه التغيرات المناخية والانبعاث المتزايد لثاني أوكسيد الكربون في العالم وحسب توقعات الخبراء والعلماء فهناك توقعات جدّية بأن ترتفع درجات الحرارة بـ1.1 درجة إلى حدود 2030 و2.1 درجة إلى حدود 2050 وهو ما سيضاعف من آثار التغيرات المناخية وتداعياتها السلبية والتي تتجلى بوضوح في طول فترات الجفاف ونقص في مياه السيلان وبروز مشاكل كبيرة في الأنظمة البيئية والمائدة المائية السطحية والمائدة المائية الجوفية فضلا عن مشكلة ارتفاع مياه البحر نتيجة تواصل ذوبان الثلوج بسبب الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة.
ويرى عدد من الخبراء أنه للحد من أزمة المياه يفترض التوجه بالسرعة المطلوبة نحو حوكمة الموارد المائية في بلادنا وتقنين وترشيد استهلاك المياه الصالحة للشرب أو تلك الموجّهة للفلاحة والزراعة واعتماد سياسة عمومية مائية تضبط بموجبها الرؤية الوطنية للتعامل مع أزمة المياه في ظل هذه التغيّرات المناخية.
إن التعامل الظرفي أو «الموسمي» مع مسألة التغيّرات المناخية اليوم وما لها من تداعيات سلبية شاملة وخطيرة تمس تقريبا الطبيعة والإنسان وتهدد السلم الاجتماعية ومستقبل الأجيال القادمة يجعلنا ندعو إلى أهمية الاهتمام بمسألة المياه في بلادنا وجعلها مسألة ذات أولوية وأن لا يحجب الاهتمام السياسي والشأن العام ملف المياه وآثار التغيّرات المناخية على الطبيعة والبيئة واعتباره مهددا للأمن القومي والسلم الاجتماعية بل ومهدد مباشر للإنسانية جمعاء.
كما تشوب السياسة المائية في تونس أزمة هيكلية يؤكدها عديد الخبراء أثرّت سلبا على حوكمة المياه وعلى حسن التصرف في المنظومة ككل تتمثل في مواصلة الجمع بين الفلاحة والماء ضمن وزارة واحدة وقد تمظهر ذلك في نقص البرامج الوطنية المخصصة لأزمة الماء وشبه غياب لحملات التحسيس وغياب استراتيجية اتصالية في ذلك وأيضا في النسق البطيء للإصلاحات مقارنة بخطورة الوضع ومواصلة الاعتماد على وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري في تسيير المنظومة المائية باعتبارها قطاعا وليست منظومة أفقية، وهو ما يدعو إلى التفكير في إحداث هيكل مستقل خاص بالمياه وإيجاد حلول لمسألة التشتت الإداري والذي يتجسد في انتماء الهياكل التي لها علاقة مباشرة بالماء إلى عدة وزارات.
فالتغيّرات المناخية اليوم واستمرار سنوات الجفاف وما يمثله من خطورة على ضمان استدامة الموارد المائية في بلادنا يدفعنا بالضرورة إلى التفكير في حلول استراتيجية ذهب إلى طرحها عدد من الخبراء في مسألة المياه من قبيل التوجه إلى إعلان حالة الطوارئ المائية وما تفرضه من إجراءات استثنائية تأخذ شكل مراسيم بهدف مزيد تشديد عقوبات الاعتداء على الملك العمومي للمياه والحد من استعمالها في أنشطة صناعية أو فلاحية مستنزفة خاصة وان كانت هذه الأخيرة موجهة للتصدير.
فالحد من آثار هذه التغيّرات المناخية على مسألة المياه ينطلق من حوكمة جيّدة للمياه في بلادنا وضبط رؤية شاملة يكون فيها الماء منظومة أفقية عابرة لكل المجالات وليس قطاعا والتفكير في إحداث هيكل عمومي مستقل لتسيير كل ما يتعلق بالماء بالتوازي مع اعتماد مقاربة متعددة الاختصاصات في تكيّف مع التحديات المناخية المفروضة علينا اليوم بكل قوة وعلينا التأقلم معها والتفكير في إيجاد حلول عاجلة وناجعة وبالسرعة المطلوبة لضمان حوكمة مائية مستدامة والتمكن من مجابهة أزمة ندرة الموارد المائية الناجمة عن امتداد فترات الجفاف ضمن مقاربة شاملة يكون فيها الماء أولوية وطنية.
عن المضاربة والاحتكار مرة أخرى..!
مثّلت مختلف مجهودات أسلاك الأمن الوطني والنتائج الايجابية التي أسفرت عنها مؤخرا في التصدي …