2024-01-23

في الشأن التربوي : مخاطر محيط المدرسة وأرصفة الشوارع على الناشئة

إن ما يجري في محيط المدرسة يعتبر عموما من حوادث الطريق العام وبالتالي لا دخل للمدرسة فيه بينما يؤكد الواقع كما الدراسات الاجتماعية التربوية خطورة ما يجري في محيط المدرسة على سلوك الطفل وتصرفاته ونفسيته وشخصيته .كما أن كل ما يجري في محيط المدرسة وخارج أسوارها يتسلل إلى داخلها ويؤثر على الحياة المدرسية في الفضاء المدرسي وعلى العلاقات بين المتدخلين والفاعلين فيه . وحتى لا يكون التلميذ ضحية لتلك المخاطر في محيط المدرسة من المهم عدم التغافل عنه وإيجاد حلول لها .

مخاطر المحيط المدرسي

يميل تلاميذنا في كل المؤسسات التربوية وخاصة في الإعدادي والثانوي إلى قضاء الأوقات الفارغة أو الساعات الجوفاء في محيط المدرسة أو في الشوارع والأرصفة القريبة منها أو في المقاهي المتاخمة لها. فيقضي التلميذ تلك الفترات الزمنية دون تأطير تربوي وهو غير واع بخطورة محيط المدرسة عليه وعلى زملائه . وأحيانا يتواصل هذا السلوك لدى عديد التلاميذ بعد نهاية الدروس صباحا أو مساء لفترة قد تطول أو تقصر وفقا لرغبات هؤلاء التلاميذ وأيضا لظروفهم فعدد كبير منهم تفرض عليه ظروف عائلته عدم العودة إلى البيت فترة الغداء وينتظر بداية الدروس فترة بعد الظهر في الشارع فيضطر إلى أكل ما تيسر من الأكلات السريعة وأحيانا غير الصحية وفي ظروف قد لا تكون ملائمة وفي أماكن مختلطة يكون من روادها الكهول ومن مختلف الشرائح . بهذه الصورة قد يقع التلاميذ في شراك بعض الأشخاص الذين لا ينتمون إلى مدرستهم وليسوا تلاميذ يأتون إلى محيط المدرسة لاصطياد المراهقين لتحقيق أهدافهم ومن أخطرها على الناشئة بيع المخدرات بأنواعها إما من طرف منحرفين أو عن طريق محلات تجارية ولدينا آخر مثال على ذلك الأقراص المخدرة ومادة الكوكايين التي تم ضبطها الأسبوع الماضي عند صاحب كشك يقع قبالة معهد في حي التضامن( حوالي 3 % من التلاميذ الذين أعمارهم ما بين 15 و17 سنة يتعاطون المخدرات حسب دراسة للجمعية التونسية لطب الإدملن صدرت سنة 2019 ) كما أن التدخين غالبا ما يتعلمه الأطفال والشباب عندما يكونون ضمن مجموعات وهم خارج المراقبة ويكفي أن يدخن أحدهم لتنتقل عدوى التدخين للبقية .

كما يكون التلميذ في محيط المدرسة -وهو دون حماية- ضحية عمليات سرقة ونهب وتحرش و«براكاجات» من طرف منحرفين فيناله من ذلك أذى نفسي ورمزي يؤثر سلبا على دافعيته للتعلم وقد يكون سببا في فشله الدراسي . ويكون المحيط المدرسي أيضا مسرحا للعنف اللفظي والمادي بين الناشئة فرادى أو جماعات وتسجل وزارة التربية تقريبا ما بين 13 و 21 ألف حالة عنف في السنة حسب إحصائيات نشرت في أكتوبر 2022 ويقدر المختصون أن حوالي نصفها يحدث في المحيط المدرسي . وتنشط في المحيط المدرسي حالات المشاغبة وحالات تسكع التلاميذ في أرصفة الشوارع التي قد تكون لها عواقب وخيمة عليهم وكثيرون هم التلاميذ الذين تعرضوا بسبب ذلك لعنف شديد وإصابات أو اعتداءات في محيط المدرسة. وتسهل تلك السلوكات لدى بعض التلاميذ عملية استدراجهم من طرف المنحرفين وتسرع لدى المهددين بالفشل المدرسي منهم تركهم للمدرسة مبكرا لأنهم كانوا فريسة ما يجري في المحيط المدرسي ذلك الفضاء الذي لا يخضع لسلطة المدرسة ولا لسلطة الأولياء فيستغل المنحرفون ذلك الفضاء لتحقيق مآربهم الدنيئة لولا تدخل السلط الأمنية في الإبان .

المحافظة على التلميذ في المدرسة

إذا كان الفضاء الطبيعي لتواجد التلاميذ هو المدرسة فعلينا أيضا أن نعي أن المحيط المدرسي هو بالنسبة للمدرسة مثل المياه الإقليمية بالنسبة لأي دولة فهي في محيط الدولة وعلى الدولة حمايتها. وكذلك الأمر بالنسبة لمحيط المدرسة فعلى المنظومة اعتباره جزءا من المدرسة وعلى هذا الأساس تتم متابعة ما يجري فيه والتعاون مع الأمن لحمايته وتطهيره من المنحرفين والدخلاء . ومما يساعد على ذلك أيضا اتخاذ بعض الإجراءات مثل منع الأكشاك من الانتصاب في محيط المدارس وعدم تسليم رخص مقاهي قريبة من المؤسسات التربوية ومنع التلاميذ من الجلوس في المقاهي ما داموا لم يبلغوا 18 سنة من العمر. ولتأكيد أهمية المحيط المدرسي نذكر أنه في منطقة في إحدى الدول في أمريكا الجنوبية لاحظوا عزوف عديد التلاميذ عن الذهاب إلى المدرسة وكان ذلك بسبب ما يحدث في محيطها من عنف واعتداءات . لذلك فإن المدرسة وإن كانت محاطة بسور فإن السور لا يحميها من المؤثرات التي تأتيها من محيطه لأنه ينتمي إليها . ولذلك فكما تحرص المدرسة على الاهتمام بساحتها الداخلية ومراقبتها فمن مصلحتها أيضا أن تهتم بمحيطها الخارجي .

وعلى هذا الأساس فإن للمدرسة كما للولي واجبات لا بد من القيام بها للتصدي لمؤثرات المحيط المدرسي على الناشئة. فبالنسبة للمدارس الإعدادية والثانوية من الضروري إنهاء آلية خروج التلميذ من المدرسة عندما لا يدرس وتعويضها بقاعدة جديدة هي أن التلميذ عندما يدخل صباحا إلى المدرسة لا يخرج منها إلا عند نهاية يومه الدراسي وإيجاد الحلول التي تساعد على ذلك بالنسبة إلى النقص في التأطير أو في القاعات لأن الضحية سيكون التلميذ لو واصلنا على نفس وتيرة اشتغال المدرسة في هذا المجال .
إن على المنظومة إيجاد الحلول من أجل احتواء المدرسة تلاميذها داخلها وتأطيرهم خلال الساعات الجوفاء من خلال المكتبة المدرسية أو قاعات المراجعة أو مراكز الإعلام والتوثيق المدرسي ( وهو مشروع تجريبي كان مطروحا على المنظومة منذ 2009 لكن لم يتم إرساؤه ) والسماح للتلاميذ فترة الغداء بالبقاء في المدرسة ووضع قاعات على ذمتهم يراجعون فيها دروسهم لمنعهم من التواجد في الشارع. وهذا يتطلب الالتزام بعدم إدراج ساعات جوفاء في جداول أوقات التلاميذ وإن كان ذلك ضروريا فليتحملها المدرس ولا يتحملها التلميذ وبالتالي لا يخرج التلاميذ من المدرسة إلا بعد نهاية يومهم الدراسي لتجنيبهم مخاطر المحيط المدرسي أو الشارع قدر المستطاع . وفي صورة غياب مدرس وحتى لا يجد التلميذ نفسه في الشارع وجدت بعض المنظومات التربوية حلا لذلك يتمثل في إجبارية إدراج حصص تعويض أسبوعية احتياطيا في جدول كل مدرس يستعملها مدير المدرسة لتعويض كل مدرس غائب بمدرس معوض يقوم بالدرس مكانه وإن لم تكن نفس المادة فالمهم درس في نفس المستوى الدراسي . ووفقا لطريقة اشتغال منظومتنا التربوية يمكن احتسابها ساعات زائدة لمن يقوم بتلك الحصص فعليا .
أما الأولياء فعليهم أن يحرصوا على التواجد رفقة أبنائهم قدر المستطاع وإن أمكن ذلك وأن يرافقوهم إلى البيت في آخر اليوم الدراسي. كما ينتظر من الأولياء متابعة أبنائهم يوميا للوقوف على أي تغير في سلوكهم في الإبان ومعالجته بالتعاون مع المدرسة .

(❊) باحث وخبير في الشأن التربوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

في الشأن التربوي : تربية الناشئة على المهارات أحد تحدّيات المدرسة

 من بين التحديات الحياتية التي تواجه المجتمع الإنساني اليوم، والتي على المدرسة رفعها في كل…