2024-01-21

تونس و الاتحاد الأوروبي : العلاقات البينية ندّية أو لا تكون

سيكون من الإنصاف القول ان مشاركة تونس من خلال وفد رفيع المستوى ترأسه السيد أحمد الحشاني رئيس الحكومة في منتدى دافوس مسألة بالغة الأهمية وينمّ عن براغماتية لم تتخل عنها بلادنا رغم المقاربة الجديدة المعتمدة في السياسة الخارجية والقائمة على التعويل على الذات واعلاء منطق السيادة الوطنية.

ولكن الحرص على الحفاظ على «خط الرجوع» مع الشريك الاقتصادي الأول وهو الاتحاد الأوروبي مسألة مهمة كما ان هذه المشاركة المهمة في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس تفند مقولات العزلة الدولية لتونس التي تروّج لها الكثير من الأطراف داخليا وخارجيا.
والأكيد ان منتدى دافوس محطة مهمة جدا باعتبارها ملتقى للفاعلين السياسيين والفاعلين الاقتصاديين في الوقت نفسه وهو ما يطرح إمكانات تعاون جدي بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب في ظل ازمة اقتصادية عالمية تضرر من جرائها الجميع واصبح تطوير الاقتصاديات هاجسا جماعيا. خاصة وان الكوكب بأكمله لم يشف حتى اليوم من آثار جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية الخطيرة بالإضافة الى ارتدادات حرب روسيا وأوكرانيا واضيفت لها حرب غزة.
وفي هذا الاطار يمكن ان نتوقف عند اللقاء الذي جمع رئيس الحكومة التونسية السيد أحمد الحشاني برئيسة المفوضية الأوروبية السيدة اورسولا فون دير لاين على هامش منتدى دافوس والتي أفادت خلاله هذه الأخيرة بأن تونس يمكنها التعويل دائما على دعم الاتحاد الأوروبي لها لمواجهة التحديات المتعددة ولمواصلة مسارها الإصلاحي.
وأكدت من جانبها خلال هذا اللقاء على ان الاتحاد الأوروبي مستمر في دعمه لتونس باعتبارها شريكا متميزا يتمتع بامكانيات هامة وفرص متعددة في عديد القطاعات الواعدة.
والحقيقة ان التصريحات إيجابية في المطلق وتؤكد على ان مكانة تونس لدى الاتحاد الأوروبي لم تتزحزح لكن الكلمات وحدها لا تكفي اذا لم تكن مشفوعة بفعل ملموس وتصبح مجرد مجاملات ديبلوماسية على هامش محفل اقتصادي مهم ليس الا.
فمعلوم ان تونس تعاني أزمة اقتصادية خانقة يعلمها القاصي والداني ومعروف أيضا ان بلدان الاتحاد الأوروبي لم تفعل الكثير من أجل مساعدة شريكها المتميز. ولذلك لا أحد ينكر اليوم انه ثمة فتور في العلاقة بيننا وبين شركائنا الأوروبيين الذين من الواضح انهم اختاروا التعامل مع تونس بصيغة المكيالين يريدونها لأدوار بعينها.

وهو ما ترفضه بلادنا التي رفعت شعارات التعويل على الذات والحفاظ على السيادة الوطنية ورفضت كل أشكال التدخل في القرار السيادي الوطني وهي تطلب وبوضوح من الشركاء الأوروبيين التعامل معها بندية وفي اطار ضمان للمصالح المشتركة لكل طرف.
طبعا نحن نعلم ان الاتحاد الأوروبي هو أكبر مستثمر اجنبي واكبر شريك اقتصادي لتونس وربما لهذا اكدت رئيسة المفوضية الأوروبية لدى لقائها برئيس الحكومة على ان هناك عملا مع تونس من اجل تنفيذ مختلف جوانب الشراكة الاستراتيجية لاسيما المتعلقة منها بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية. ولعل هذا القول الأخير يخفي الكثير بين سطوره و يشي بأن التعاون البيني يحتاج الى دفعة جديدة وان هناك مسائل ما تزال عالقة بين الشريكين بل ان هناك جمودا لا تخطئه العين.
وكأن الاتحاد الأوروبي ترك تونس لمصيرها مشترطا بعض الاملاءات التي ينبغي ان تخضع لها ليقدم لها العون والدعم الاقتصادي, ولاشك ان ملف الهجرة غير النظامية هو نقطة الارتكاز في علاقة تونس و الاتحاد الأوروبي. وهذا الأخير يريدنا صراحة حارسا لبوابته الجنوبية حماية للحدود البحرية التي يتوافد عليها المهاجرون من قارتنا السمراء ولا يتّسع المجال هنا لنعود الى تفاصيل هذا الملف الذي طرحناه سابقا في أكثر مناسبة.
ولعل الحراك الحثيث الذي تابعناه في السنة الماضية على مستوى علاقة تونس بإيطاليا والزيارات المكوكية التي قامت بها رئيسة الحكومة الإيطالية السيدة جورجيا ميلوني الى قصر قرطاج كان خير دليل على التوجس الكبير وعلى الرغبة في وضع حد لظاهرة الهجرة غير النظامية، ولكن عدم انصياع الجانب التونسي لاملاءات روما ومن خلفها الاتحاد الأوروبي جعل الشراكة الاستراتيجية تعرف جمودا او لنقل انها ظلت تراوح مكانها.
واليوم ومع مختلف الأحداث التي تعيش على وقعها القارة العجوز يبدو ان الأنظار تتجه الى تونس من جديد ولكن بلادنا ثابتة على موقفها ولم تتزحزح عنه قيد انملة رغم انها منفتحة على كل آفاق الحوار والتعاون مع الشريك الأوروبي شريطة ان تكون العلاقات البينية ندية وتحترم السيادة الوطنية وتقوم على مراعاة المصلحة المشتركة للطرفين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

اتّساقا مع الرهانات الوطنية والإقليمية والدولية : المضيّ بخطى ثابتة نحو أفق جديد

على الجميع ان يحثّ الخطى في الاتجاه الذي رسمه الشعب لبناء تاريخ جديد … هذه الجملة هي…