خلال زيارته الى الديوان التونسي للتجارة : الرئيس يكشف تلاعبا بقوت التونسيين ويشدّد على محاسبة المتورطين
ككل زيارة يؤديها الرئيس إلى إحدى المؤسسات العمومية، يحمل معه وثائق وأدلة تكشف حجم التجاوزات والفساد الذي ينخر هذه المؤسسات، حيث أثناء زيارته أول أمس الخميس إلى المقر المركزي للديوان التونسي للتجارة، أكد رئيس الجمهورية قيس سعيد على ضرورة مساءلة ومحاسبة المتورطين في إهدار المال العام، وجاء في مقطع فيديو نشر على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية أنه يجب البدء في التحقيق في جميع التجاوزات والاخلالات التي تم رصدها في أداء الديوان مع تأكيده على توفر الوثائق والمؤيدات التي تدين عددًا من المسؤولين والموظفين بعد تحريات كبيرة.
هذه الزيارة استعرض خلالها رئيس الجمهورية أدلة ووثائق في أكثر من ربع ساعة يشير فيها إلى سوء التصرف الذي أدى إلى صعوبات في توفير مواد أساسية مثل القهوة والسكر والأرز ، معرجا على عدم الشفافية في توزيع المواد المذكورة. وإعتبر أن ما يحدث في الديوان يعدّ إهدارا للمال العام و أن هناك من يعمل بطرق غير قانونية على التحكم في السوق وفي مسالك توزيع وتخزين المواد الغذائية بهدف تأجيج الأوضاع في تونس والتنكيل بالشعب التونسي في قوته اليومي رغم ما يتوفر من أموال على حد تعبيره لخلاص الشحنات الموردة.
وذكر رئيس الجمهورية في سياق حديثه عن هذه التجاوزات والإخلالات، أن شحنة من مادة القهوة وصلت الى الموانئ التونسية خلال شهر افريل سنة 2022، إلا أن بعض الأطراف المسؤولة في الديوان عملت على عدم خروجها من الميناء وعطلت اتمام العملية بإخفاء صك بنكي حتى لا يتم ابرام الصفقة رغم أن التمويلات موجودة.
و تبعا لما صرّح به الرئيس في علاقة بهذه الإخلالات، فإن هذه الاتهامات الموجهة لمصالح الديوان الوطني للتجارة تتماهى مع نفس الروايات التي تخرج عن مكونات الرأي العام في تونس بخصوص التلاعب بقوت التونسيين وإخضاع توزيع المواد الأساسية إلى أهواء وغايات بعض الفاعلين الإداريين في علاقة بالتأثيرات المباشرة من عدد من السياسيين علما وأن حادثة تعطيل «شحنة القهوة» تأتي بعد أقل من عام على اتخاذ الرئيس للإجراءات الاستثنائية في 25 جويلية 2021 ومارافقها بسرعة البرق من انتهاكات واخلالات واضحة لمسائل العرض والطلب والاحتكار والمضاربة بالأسعار منذ تلك الفترة ، الأمر الذي يفسره كثيرون بتوفر نظرية المؤامرة على التونسيين بقطع النظر عن إمكانيات الدولة المالية لتوفير هذه المواد من عدمها.
ملفات ثقيلة في أغلب المؤسسات
ثمة شبه إجماع من الرأي العام على أن أغلب المؤسسات العمومية اليوم تعاني من مثل هذه التجاوزات لعدة أسباب واعتبارات تتعلق بأمور الحوكمة المتخلفة والبيروقراطية الموغلة في الفساد وغيرها من عدم مواكبة التقنيات الحديثة في جوانب التسيير الإداري الحديث والذي لم تلحق به بلادنا باستثناء الخطب الرسمية التي تبقى بينها وبين الواقع المعيشي فجوة عميقة تتطلب سنوات وجرأة فعالة في الإصلاح و الترميم والمحاسبة.
إن المراهنة على كشف ملفات الفساد وعلى أهميتها بالنظر إلى تشعب و تداخل هذه الملفات ومخاطرها على أداء المؤسسات العمومية الحيوية، يبقى أمرا مهمّا ويتطلب الإسراع في إصلاح هذه المؤسسات وتجويد خدماتها وتحسينها من حيث الشفافية والمتابعة وتقييم أدائها بانتظام. كما من الضروري أن تتجه الدولة بصفة مستعجلة لتطبيق برامج الإصلاح وإعادة الهيكلة والوقوف على الإخلالات التي تعتبر الجسر الأول لبناء عملية الإصلاح وذلك بعد أن اقتنعت السلطة الحاكمة اليوم بغياب الجدوى من خوصصة بعض هذه المرافق العمومية سواء في محادثات داخلية تحت ضغط الأطراف النقابية أو كذلك في المباحثات والمفاوضات الخارجية مع ممثلي صندوق النقد الدولي الذي ما يزال يخيّر عملية التخلي التدريجي للدولة التونسية عن بعض المؤسسات التي تمثل عبءا ماديا على التوازنات المالية للميزانية.
مشروع الانتقال الطاقي بالمؤسسات العمومية : توجّه لاستدامة الموارد الطاقية وتخفيف الأعباء المالية
تواصل بلادنا تنفيذ مشروع «الانتقال الطاقي في المؤسسات العمومية» الذي سيشمل 22 وزارة، وتهدف…