إذا كان يجوز لنا الحديث عن لحظة تاريخية تكتظ بالمعاني وتكون بمثابة استهلال لمرحلة جديدة وتضع أيضا نقطة النهاية للفترة التي سبقتها فهي قطعا لحظة تسلّم سفير سوريا محمد نصر محمد أوراق اعتماده في تونس من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد.
فلأول مرة منذ 2011 تاريخ اندلاع انتفاضات ما عرف بالربيع العربي تعود المياه إلى مجاريها بشكل رسمي بين تونس وسوريا بعد قطيعة رسمية لم يكن للشعبين الشقيقين دور فيها ولم تكن خيارهما في كل الحالات.فوشائج القربى اكبر بكثير من الحسابات السياسية الضيقة التي وجدت تونس فيها في مرحلة حكم الترويكا حيث اختار الفاعلون السياسيون الانخراط في منطق الأحلاف الذي قاد تونس إلى مآلات وخيمة ما نزال حتى اللحظة نعاني تداعياتها.
والأكيد أن الكثير استبشروا خيرا بعودة الوئام بين البلدين الشقيقين وتظل لحظة مصافحة سعادة السفير السوري لرئيس الجمهورية نقطة ضوء في الدبلوماسية التونسية وإعلانا لعناوين جديدة فيها تقطع مع التركة السيئة التي كبدتنا خسائر كثيرة وحشرت بلادنا في الزاوية لمدة عقد من الزمن.
هذا وتجدر الإشارة إلى انه منذ 25 جويلية 2021 حدثت اعتمالات كبرى في الدبلوماسية التونسية وتجلى ذلك خاصة في المساعي الحثيثة التي قامت بها تونس من اجل رأب الصدع مع الشقيقة سوريا.
وكان السفير السوري محمد نصر محمد قد وصل التراب التونسي يوم 16 أكتوبر الماضي والتقى وزير الخارجية السيد نبيل عمار لمباشرة مهامه بعد قطيعة تواصلت منذ أكثر من 11 عاما.
هذا مع العلم أن رئيس الجمهورية قيس سعيد قد أسدى تعليماته يوم 3 أفريل 2023 لوزير الشؤون الخارجية والهجرة و التونسيين بالخارج نبيل عمار بالشروع في إجراءات تعيين سفير تونس بدمشق .
وهو ما تم فعلا يوم 27 من الشهر نفسه حيث تم تسليم أوراق اعتماد السيد محمد المهذبي سفيرا فوق العادة ومفوضا عاما للجمهورية التونسية لدى الجمهورية العربية السورية.
إذن تونس تدشّن مرحلة جديدة وتغير بوصلتها في الكثير من القضايا وتقطع بشكل نهائي وحاسم مع مرحلة الربيع العربي وكل ما حف بها. والعنوان الأبرز قطعا هو المزيد من ترسيخ الثوابت التي تأسست عليها الدبلوماسية التونسية مع مراعاة التحولات الكبرى التي شهدها العالم وتغير التحالفات الجيوـ استراتيجية وكذلك تفهم السياق المرحلي الذي تعيشه تونس والتي لا تريد أن تكون في مهب «لعبة الأمم».
والأكيد أن تجسير الفجوة رسميا مع سوريا سيكون منطلقا لعلاقات مثمرة في الكثير من المجالات وفي مقدمتها الملف الأمني الذي يعد من اخطر القضايا المطروحة الآن لاسيما مع عودة قضية التسفير إلى الواجهة القضائية ومع وجود محاكمات لبعض الفاعلين السياسيين الذين ساهموا بشكل مباشر أو غير مباشر في نحت ملامح تلك المرحلة.
هنا علينا أن نستذكر معا السياق المشتعل الذي اختارت فيه السلطات الرسمية التونسية قطع العلاقات الدبلوماسية بشكل متسرّع مع سوريا.
فقد أعلن الرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي وفي قرار صادم للرأي العام داخليا وخارجيا عن طرد السفير السوري من تونس وسحب أي اعتراف بنظام الرئيس بشار الأسد. وذلك في فيفري 2012 مع اندلاع الحراك في سوريا والذي سرعان ما تمت عسكرته ولعبت القوى الإقليمية دورا كبير في تأجيج الأوضاع هناك.
ولم يطل الوقت لتتحول إلى حرب أهلية كان ضلوع الكثير من الدول واضحا في الدم السوري خاصة مع إقامة مؤتمر أصدقاء سوريا الذي احتضنته تونس مع كل أسف. وكانت التداعيات وخيمة مع تحول بعض المناطق السورية إلى بؤر للتوتر خاصة الرقة وما حولها تلك التي باتت معقلا لنظام داعش وتوافد الجهاديين من كل صوب وحدب وكان الإرهابيون الذين يحملون الجنسية التونسية أكثر الوافدين عدديا .
ولعل هذا من أعقد الملفات المطروحة اليوم والتي ينبغي مباشرتها بالسرعة القصوى لوضع نقطة النهاية بشكل حاسم لمرحلة الربيع العربي التي كانت تكلفتها باهظة جدا على المستوى الوطني و الإقليمي.
اتّساقا مع الرهانات الوطنية والإقليمية والدولية : المضيّ بخطى ثابتة نحو أفق جديد
على الجميع ان يحثّ الخطى في الاتجاه الذي رسمه الشعب لبناء تاريخ جديد … هذه الجملة هي…