بعد حادثة هلاك خمسة شباب استهلكوا مشروبا كحوليا سامّا : ليست سابقة لكنها تسلّط الضوء على بؤس اجتماعي
لقي خمسة شبان حتفهم وتدهورت الحالة الصحية للعشرات وهذه ليست حصيلة حادث مروري مريع أو معركة دموية أو قصف جوي، بل الخسائر التي خلفتها «جلسات خمرية» ولم يكن الإفراط في الشرب هو السبب، بل نوعية وتركيبة المشروب المتكون من مادة «القوارص» وهي عطور رخيصة فيها نسبة كبيرة من الكحول المعروف بتأثيراته المدمرة للكلى والجهاز العصبي.
الخسائر البشرية المرتفعة جعلت الحادثة تحظى باهتمام كبير من قبل الرأي العام وتباينت المواقف ما بين الصدمة والتعاطف والاستهجان.. وحتى الوصم لتطرح مجددا ظاهرة رمي الشباب اليوم بأنفسهم للتهلكة سواء بحثا عن الترفيه أو هروبا من الواقع.
دُفن موتى منطقة سيدي مخلوف التابعة لولاية مدنين وخرج أغلب الناجين من المستشفيات، وألقي القبض على مصنعي وبائعي المشروب المتسبب في هذه الحادثة التراجيدية، لكن سيكون من المؤسف حقا ألاّ تمثل هذه الحادثة بداية وعي بضرورة تناول مسألة المشروبات الكحولية بعيدا عن المقاربات «الأخلاقوية» وكذلك الوصم الديني والاجتماعي وحتى الطبقي.
يعتبر مختصون في علم الاجتماع وخاصة منهم الذين يدرسون كل الظواهر المجتمعية المرتبطة بالشباب أن استهلاك المشروبات الكحولية هي مسألة مركبة تهم الحريات الفردية والحق في الترفيه وتمس أيضا الصحة العامة. لكن نوعية المشروبات واستهتار الشباب في استهلاك مواد مجهولة المصدر وإلقاء النفس للهلاك فقط للترفيه أو للهروب من واقعه تكشف عن عمق التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. كما اكد مختصون في هذا الجانب أنه وفي كل الأحوال، لا يمكن أن تكون القوانين البالية (والمتناقضة) والعصا الأمنية هي الحل.
اذ ان التعمق في الظروف المادية مهم جدا لفهم خلفيات ظاهرة شرب الكحول «البديلة»، فأسعار المشروبات الكحولية «القانونية» المصنوعة في تونس وإن كانت «معقولة» مقارنة بالأسعار في العالم فإنها مرتفعة مقارنة بالمقدرة الشرائية للتونسيين، خاصة الفقراء منهم. مما يضطر عددا منهم لاستهلاك مواد كحولية سامة قد تؤدي إلى هلاكهم.
وحادثة سيدي مخلوف ليست الأولى التي شهدتها تونس فقد سبقتها حوادث ولعل أهم الحوادث الفاجعة التي ارتبطت بالكحول الفاسدة هي تلك التي وقعت في ولاية مدنين سنة 2017، حيث تسببت مشروبات تحتوي على مواد حارقة في موت 11 ضحية وفقدان شخص لبصره، ونجا آخرون من الموت بعد إسعافهم في مستشفيات الولاية. والأخرى التي شهدتها جهة القيروان وقبلها سنة 2013 تسببت مشروبات كحولية فاسدة يُعتقد أنها صنعت منزليا في تونس ثم تم تهريبها إلى ليبيا، في موت أكثر من 50 ضحية وتعكر الحالة الصحية لأكثر من 300 شخص في ليبيا.
الحادثة ليست سابقة في تونس وفي عدة دول أخرى يشكو شبابها التهميش والجهل والبطالة والفقر إلا أنها تسلط الضوء على واقع مظلم وبؤس اجتماعي وأخلاقي كبير. وأوضح عدد من أستاذة علم الاجتماع أن ظاهرة استهلاك المشروبات الكحولية المغشوشة أو السامة هدفها الأساسي الترفيه ولا ينوي الشاب الفقير الموت وإنما بحثا عن النشوة يتجه إلى مشروبات تناسب قدرته الشرائية ولا يهم هنا حسب رأيهم إن كانت الأسباب الفقر أو الهروب من الواقع وإنما أصبح الترفيه عنصرا أساسيا لشباب يبحثون عنه بطرق مختلفة رغم ما يعانيه من فقر وبطالة. وهذا ما خلق نوعا من اللاتكافؤ بين الرغبة في الترفيه وبين طرق الولوج إليها. ولعل هذا ما يفسر تكرر مثل هذه الحوادث المأسوية في الجهات الداخلية التي تفتقر لكل وسائل الترفيه كالتي توجد في العاصمة وفي المدن الساحلية.
مئات الآلاف من الأشخاص يلقون حتفهم سنويا في العالم بسبب استهلاك مشروبات كحولية مجهولة المصدر وسامة ومهما اختلفت الأسباب فإن هذه الحوادث المتكررة تكشف عن بؤس اجتماعي و تشوه أخلاقي يجب تناوله بشكل أعمق وأدق حسب الفئات والجهات حتى تكون ظاهرة يمكن تشخيصها و دراستها وتقديم الحلول الكفيلة للحد منها.
رئيس الغرفة الوطنية لتجار الدواجن واللحوم البيضاء ابراهيم النفزاوي لـ«الصحافة اليوم» : أزمة اللحوم البيضاء في اتجاهها للإنفراج
تعرف الأسواق التونسية خلال الآونة الأخيرة اضطرابا في التزوّد باللحوم البيضاء أرجعها رئيس ا…