2024-01-12

جريمة سوسة أعادت السؤال إلى الواجهة : هل يكون الإعدام حلاّ لقطع دابر «الوحشية»؟

لاشك أن الكثير من المراجعات أصبحت أكثر من ضرورية في خصوص القضايا الاجتماعية والحقوقية والقانونية المطروحة اليوم على المجتمع والدولة.
فالتحولات الكبرى التي عصفت بنا منذ ما يزيد عن عقد من الزمن خلقت الكثير من التوترات التي أدت إلى تنامي الظاهرة الإجرامية بشكل لافت. وليس هذا فحسب بل المرعب حقا وهو الإمعان في الوحشية في أنماط الجريمة التي يتم ارتكابها. والصادم أيضا أن عديد الجرائم ترتكب في فضاء العائلة. فقد ارتفع منسوب العنف ضد النساء على سبيل المثال سواء في ما يتعلق بقتل النساء من قبل أزواجهن أو آبائهن أو حتى أبنائهن.

وفي هذا الخضم عاد طرح المسألة الحقوقية إلى الصدارة في خصوص عقوبة الإعدام التي يراها البعض أفضل السبل لردع ظاهرة التوغل في الوحشية التي تسم الجرائم المنتشرة في المجتمع التونسي حاليا.
ولعل سبب طرح هذه الإشكالية الآن بالذات ، رغم أنها غالبا ما كانت تطفو على السطح في كل مرة استفاق فيها المجتمع التونسي على جريمة بشعة، هي تفاصيل الواقعة الإجرامية التي جدت في سوسة وتم التداول بشأنها مؤخرا.
فقد تمكنت الوحدات الأمنية وفي وقت قياسي نسبيا من إماطة اللثام عن خبايا واقعة مفزعة هزت ولاية سوسة وطرحت وخلقت حالة من الذعر وكانت مثارا لإشاعات كثيرة من بينها إشاعة تقول بوجود قاتل متسلسل يستهدف النساء وحيكت قصص مرعبة بهذا الخصوص مما جعل الجهات الرسمية تتدخل وتنفي فرضية وجود جرائم متسلسلة لقاتل واحد.

و كان العثور على جثة بدون رأس متحللة ومشوهة نقطة انطلاق حيرة القوات الأمنية وذعر المواطنين حتى تمت معرفة هوية الضحية والجاني وكانت الصدمة أنها ابنة لم تتجاوز الرابعة عشر من عمرها وأب. وكانت الفرضية المطروحة أن القتل تم بدواعي متصلة بالشك في سلوك الابنة المراهقة ولكن مفاجآت القضية لم تنته فقد جاءت اعترافات الأب المجرم مرعبة فهو لم يكتف بارتكاب زنا المحارم في حق ابنته التي تعيش معه بعد انفصاله عن والدتها ولكنه خطط لقتلها بعد معرفته بحملها فقام بارتكاب جريمة وإمعانا في الوحشية قام بفصل الرأس عن الجثة ولتكتمل أركان التراجيديا وضعها في الثلاجة المنزلية لمدة عام كامل.

فقد ارتكب فعلته في جانفي 2023 وتخلص من الجثة في ديسمبر من السنة نفسها. فقام بوضع الرأس في حضيرة بناء وباقي الجسد في وادي غنيم.
إذن وبعيدا عن تفاصيل الواقعة البشعة نعود إلى طرح إشكالية تطبيق عقوبة الإعدام في تونس التي صادقت على بعض الاتفاقيات التي بموجبها جمدت هذا الفعل ولذلك لم يتم تطبيقه منذ تنفيذه على السفاح الناصر الدامرجي المعروف بسفاح نابل وذلك يوم 17 نوفمبر 1990 وحتى الإرهابيين الذين صدرت بشأنهم أحكام بالإعدام لم تفعّل حتى اليوم.

والحقيقة أن هذا الطرح عاد من جديد ليكون محل نقاش وجدال سواء في الفضاءات العامة أو في المنابر الإعلامية وأيضا في صفوف الحقوقيين.
فمن الواضح أن تنامي التوحش في طبيعة الجرائم المرتكبة في السنوات الأخيرة خاصة تلك التي ضحاياها من النساء والاستسهال الفظيع لإزهاق الأرواح البشرية في بلادنا أصبح ظاهرة خطيرة لابد من وضع حد لها بكل السبل الممكنة. ولهذا فإن البعض يطرح ضرورة تطبيق عقوبة الإعدام خاصة في الجرائم الموجهة للقصّر أو في القضايا الإرهابية وان حماية المجتمع من خطر تنامي الجريمة تقتضي أن نراجع الكثير من قناعاتنا المبدئية وان نتعامل مع الجرائم المرتكبة حالة بحالة حفاظا على الأمن الاجتماعي وسعيا إلى إعادة الطمأنينة إلى نفوس التونسيين بعيدا عن الشعارات الحقوقية الرنانة التي لا تتماشى مع السياق التونسي في الكثير من الحالات.

والملاحظ أن هذا الملف من المسائل التي تثير حرجا لدى الجهات الرسمية التونسية باعتبار أن بلادنا تقع بين المطرقة والسندان في هذا الشأن أي بين التزاماتها الحقوقية دوليا وبين الضغط الشعبي مع تعالي الأصوات المنادية بتنفيذ عقوبة الإعدام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

اتّساقا مع الرهانات الوطنية والإقليمية والدولية : المضيّ بخطى ثابتة نحو أفق جديد

على الجميع ان يحثّ الخطى في الاتجاه الذي رسمه الشعب لبناء تاريخ جديد … هذه الجملة هي…