اليوم الكيان الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية : الدعوى قدّمتها دولة جنوب أفريقيا وشرف المعركة ليس أقل من الانتصار فيها..
تشرع محكمة العدل الدولية بداية من اليوم الخميس 11 جانفي 2024 وعلى امتداد يومين، في النظر في القضية التي رفعتها دولة جنوب إفريقيا ضد الكيان الصهيوني بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية في الحرب على قطاع غزة منذ انطلاقة ملحمة طوفان الأقصى في 7 اكتوبر 2023 في انتهاك صارخ لبنود اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948.
ومن المفارقات أن يكون دعم مبادرة جنوب إفريقيا محدودا للغاية من الدول العربية والإسلامية، ونجد في المقابل دولا داعمة وبقوة مثل بوليفيا من أمريكا اللاتينية التي سبق وأن تقدّمت في 17 نوفمبر الماضي بالشراكة مع جنوب إفريقيا أيضا وبنغلاديش وجزر القمر وجيبوتي بدعوى إلى محكمة الجنايات الدولية للتحقيق حول الأوضاع في الأراضي الفلسطينية.
ويرجّح المتابعون أن تُنصف محكمة العدل الدولية الشعب الفلسطيني، بقي ان التاريخ بيّن أن نصف إجراءات وقرارات هذه المحكمة فقط التزمت بها الدول المعنية فيما ظلّت البقية حبرا على ورق بحكم اختلال موازين القوى وتمرّد الأطراف المدانة واستقوائها بالدول النافذة وهو ما سيحدث في تقديرنا في علاقة بالكيان الصهيوني المدعوم غربيا بقيادة الإدارة الأمريكية.
وهنا، سيظل شرف المعركة القانونية والسياسية والأخلاقية التي تقودها دولة جنوب إفريقيا انتصارا بقطع النظر عن مآلات المرافعات والأحكام والإجراءات التي ستتخذها محكمة العدل الدولية في قادم الأيام.
لقد أعدّت جنوب إفريقيا ملفّها القانوني كما يجب منذ 29 ديسمبر الماضي وهو يقع في 84 صفحة تبرز انتهاك الكيان الصهيوني لالتزاماته بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية وارتكابه لأفعال «بقصد التدمير كليا أو جزئيا لمجموعة قومية أو أثنية أو عرقية أو دينية»،وقد رأى العالم في المباشر كيف قصف الجيش الإسرائيلي المساكن المدنية والمدارس والمستشفيات ودور العبادة، مساجد وكنائس على حد سواء واستهدف الصحافيين والمسعفين والأطباء، الى جانب قصف مقرّات الأونروا ومؤسسات الدول الأجنبية التي تتمتع بحماية دبلوماسية كالمركز الثقافي الفرنسي التابع للسفارة الفرنسية رغم الدعم الفرنسي اللامشروط للعدوان.
لعبة موازين قوى
وطبيعي ان يرفض الكيان الصهيوني التهمة الموجّهة إليه ويصرّ على مواجهة الأطراف الشاكية وإعداد فريق دفاع استنجد فيه بمحامين وقانونيين مرتزقة من بريطانيا وغيرها علاوة على إعلان حالة الطوارئ في الماكينة الدبلوماسية والاستخباراتية لممارسة شتى أنواع الضغط حتى لا تصدر المحكمة قرارا قد لا يرتقي إلى الإدانة ولكن يقضي بضرورة إيقاف الحرب على الأقل وهذا ما لا تريده حكومة نتنياهو التي تبحث عن نصر وهمي بعد أكثر من ثلاثة أشهر من المواجهة مع المقاومة الفلسطينية الباسلة التي خلقت بكل المقاييس العسكرية والأمنية توازن الرعب الاستراتيجي مع العدو ليس فقط من خلال الصمود في غزة ولكن أيضا بالوصول إلى عمق الكيان ودكّ مدنه ومستوطناته بالصواريخ المتنوعة في حالة من الدفاع الشرعي عن النفس الذي تجيزه القوانين الدولية بخلاف ما يفعله الجيش الاسرائيلي.
وكما هو معلوم فإن محكمة العدل الدولية التي يطلق عليها أيضا اسم المحكمة العالمية هي أعلى هيئة قانونية تابعة للأمم المتحدة وتتركب من 15 قاضيا يُضاف إليهم قاض عن الجهة الشاكية وآخر عن الجهة المشتكى بها، وقد تأسست عام 1945 للتعامل مع النزاعات بين الدول ويتكامل دورها مع المحكمة الجنائية الدولية التي تأسست سنة 2002 كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء وهي تتخذ أيضا من لاهاي مقرا لها.
أما اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها فقد أُقرت وعُرضت للتوقيع وللتصديق أو للانضمام بقرار الجمعية العامة 260 ألف (د- 3) المؤرخ في 9 ديسمبر 1948 ودخلت حيز النفاذ في 12 جانفي 1951 وبالتالي فإن الكيان الصهيوني يمثل أمام محكمة العدل الدولية في تاريخ له رمزيته ودلالته وهو الذكرى 73 لدخول الاتفاقية مجال التطبيق التي تنصّ بوضوح في مادتها الأولى على أن الأطراف المتعاقدة تصادق على أن «الإبادة الجماعية، سواء ارتكبت في أيام السلم أو أثناء الحرب، هي جريمة بمقتضى القانون الدولي، وتتعهد بمنعها والمعاقبة عليها».
وفي المادة الثانية نجد تعريف جريمة الإبادة الجماعية التي «تعني أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه: أ – قتل أعضاء من الجماعة، ب – إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة، ج – إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً، د – فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، هـ – نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.»، وهذه الأشكال المتعددة من الممارسات الصهيونية اليومية في حق الشعب الفلسطيني تدخل في خانة الإبادة التي «يعاقب مرتكبوها سواء كانوا حكاماً دستوريين أو موظفين عامين أو أفراداً» وفق المادة الرابعة من الاتفاقية.
«حرب» طويلة المدى
إن جريمة الإبادة الجماعية هي أخطر جريمة في القانون الدولي الجنائي وحسنا فعلت دولة جنوب إفريقيا بالتوجه إلى محكمة العدل الدولية التي بمقدورها اتخاذ إجراءات وقرارات احترازية أسرع من غيرها من الهياكل الأممية مثل تعليق العمليات العسكرية وحتى الدفع باتجاه التوجه لمجلس الأمن الدولي وإرغامه على التدخل..
وبقطع النظر عن التزام الكيان الصهيوني وحلفائه بما سيصدر عن هذه المحكمة الدولية فان المعركة في بعدها السياسي والقيمي قد حققت أهدافها ونستحضر هنا رأي محكمة العدل الدولية الاستشاري في موضوع التبعات القانونية لبناء جدار الفصل العنصري على الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث اعتبرت المحكمة هذا الجدار غير قانوني وطالبت الكيان الصهيوني بإزالته وكان ذلك نصرا مبينا للفلسطينيين وأحرار العالم ومثّل زخما للنضال الفلسطيني وصفعة للحكومة اليمينية المتطرفة في الكيان النازي.
واليوم وفي الوقت الذي تحولت فيه فلسطين إلى هوية إنسانية في مشارق الأرض ومغاربها وأصبح فعل التضامن والمقاومة مع الشعب الفلسطيني مشاعا ولم يعد حكرا على الفلسطينيين على أرضهم أو في الدول العربية بل أصبحت الساحات والشوارع في عقر دار الدول الداعمة للعدوان يومية وبحجم لافت يعكس الوعي الإنساني والمواطني بحق الفلسطينيين في التحرر الوطني والانعتاق الاجتماعي لذلك هي معركة من المعارك التي ما تزال كثيرة وطويلة من أجل إعادة الحق لأصحابه وتثبيته طال الزمان أم قصر.
وسيواصل أحفاد الزعيم نيلسون مانديلا في دولة جنوب إفريقيا وكذلك أحفاد زعماء أمريكا اللاتينية في كوبا والشيلي وغواتيمالا وكثير من أحرار العالم مقاومتهم جنبا إلى جنب مع الشعب الفلسطيني ومع الشعب اللبناني أيضا وستكون المعارك على كل الجبهات القانونية والعسكرية والسياسية والإعلامية والثقافية انتصارا للكرامة المتأصّلة في بني البشر.
في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!
تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…