هل تم التخلي عن قضية شهداء الثورة ؟ وأي مصير لتلك الملفات التي أسالت حبرا كثيرا على امتداد 13 سنة وكانت مثار جدل من قبل الفاعلين سياسيا وفي المجتمع المدني؟ هل فتر الحماس مع تواتر السنين؟ وهل يمكن الحديث عن التأسيس لمرحلة جديدة دون البت النهائي والحاسم في هذا الملف بالذات والذي شابه الكثير من اللغط؟
هي أسئلة نابعة من وحي بعض التصريحات التي نتابعها من حين إلى آخر لبعض أهالي شهداء الثورة وضحاياها. وآخرها ما قاله الناشط في المجتمع المدني فتحي السايحي وشقيق أحد شهداء الثورة وجدي السايحي وذلك في تصريح إذاعي أكد فيه أن قضية شهداء الثورة «قد تخلى عنها الجميع والقاعة تكاد تكون فارغة في الجلسات إلا من هيئة المحكمة بعد أن كانت في الأطوار السابقة مليئة».
إذن فقدت هذه القضية الزخم الأول الذي رافق الجلسات وصولات المحامين في المنابر الإعلامية وتجمهر المواطنين سواء ذوي الصلة المباشرة بالملف أو المتضامنين والمتعاطفين مع القضية الذين كانوا يحيطون بالمحاكم التي تنظر في هذه القضايا. وخفت البريق تدريجيا وأصبح بمثابة ملفات حق عام ترقد مع غيرها في الرفوف.
والواضح أن هناك تخليا عن القضية كما جاء على لسان السايحي رغم أنه يرجح أن «هذا التخلي مؤقت أو هو ناجم عن فتور أو فقدان الأمل في حكم عادل».
وأضاف السايحي أن «الغاية من المحاكمة لدى عائلات الشهداء ليس الانتقام والتشفي، بل كشف الحقيقة وتحقيق العدالة بعد 13 سنة من التقاضي والهدف فرض واقع جديد».
والأكيد أن هذه القضية ظلت تراوح مكانها منذ ما يزيد عن عقد من الزمن. ولا أحد يستطيع أن ينكر أن بعض الملفات شابتها الكثير من الشوائب. فهناك البعض ممن سوّلت لهم أنفسهم الركوب على الأحداث وإدعاء «الثورية» من أجل الحصول على تعويض مالي خاصة من بعض الجرحى الذين وجدوا لأغراض أخرى في الشارع أغلبها مريبة في ليالي الانتفاضة الشعبية وتعرضوا لطلق ناري بالصدفة أو لحوادث مختلفة وراهنوا على توظيفها للحصول على امتيازات مادية ومعنوية في مرحلة المد الثوري.
ولكن هذا لا يعني قطعا أن هناك عددا مهما من القضايا الجدية التي استشهد أصحابها أو جرحوا وهم يتظاهرون ضد النظام في الفترة خاصة الممتدة ما بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011. وكابدت عديد الأسر على امتداد كل هذه الفترة ما بين المحاكم ومكاتب المحامين من اجل جبر الضرر وردّ الاعتبار .
هذا وتجدر الإشارة إلى أن هناك من نال حقوقه كاملة بالتعويض المالي المباشر وكذلك عبر ردّ الاعتبار من قبيل إطلاق اسم بعض الشهداء على الساحات العامة والشوارع والانهج في المدن التي استشهدوا فيها.
ولكن هذا لا يعني عدم وجود بعض الملفات التي ما يزال أصحابها في الانتظار سواء من ذوي الشهداء من الأرامل والثكالى واليتامى أو من الجرحى الذين طالت معاناتهم.
والمهم هنا أن يتم التسريع الآن في البت النهائي في هذه الملفات التي استغلها بعض الفاعلين السياسيين في مرحلة سابقة لـ«السمسرة» والمتاجرة بها من اجل تحقيق مكاسب. وآن الأوان للقطع بشكل نهائي معها. فالإرادة السياسية الآن جادة في فتح كل الملفات وحسمها لتحقيق العدالة للجميع وإماطة اللثام عن الحقيقة ومحاسبة كل من أجرم سواء في حق الأفراد أو المجتمع أو أجهزة الدولة.
ومن المعلوم أن ملف شهداء الثورة وجرحاها وكل ما يتصل عموما بقضايا العدالة الانتقالية قد ارتبط ارتباطا وثيقا بالمسار الانتقالي وأثّر سلبا عليه بل أثقله بشكل كبير وهو من مكامن الفشل في المرحلة السابقة التي من المهم القطع مع كل مظاهرها.
التشغيل في تونس : «أم المعارك» التي لا بدّ من خوضها
لا شك ان احد الرهانات المطروحة على تونس اليوم هو التشغيل بكل ما يعنيه هذا الملف من تعقيد …