2024-01-10

عن العودة المرتقبة لحركة النهضة بمسميّات جديدة : في البحث عن«كسوة الغنوشي الافرنجية»..!

يقول العجمي الوريمي ـ عليه الكلام ـ وهو آخر المتحدثين باسم حركة النهضة الاخوانية بأنّه من الوارد تغيير اسم الحركة في مؤتمرها القادم كما لا يستبعد تغيير اسم مجلس الشورى باسم المجلس الوطني وهي فكرة يقول الوريمي «طرحت قبل المؤتمر التاسع ولم يتم التركيز عليها أو تفعيلها لكنّها تبدو اليوم أ كثر تلاؤما مع التوجهات الجديدة للحزب كحزب يبحث عن مشتركات مع القوى الديمقراطية والمدنية».

هذا ما ورد في تدوينة للعجمي الوريمي الأمين العام الجديد للحركة الاخوانية والذي يتولى إدارة هذا «الكيان» بعد الزجّ بأبرز قياداته في سجون الإيقاف بتهم مختلفة بعضها في علاقة بالتخابر مع قوى أجنبية أو في علاقة بتبييض الأموال أو بالتآمر على أمن الدولة وغيرها من التهم الثقيلة التي تنتظر البتّ فيها قضائيا… تاريخيّا ارتبط تغيير اسم الحركة بأزماتها مع السلطة فقد تأسست في السرية سنة 1972 باسم «الجماعة الاسلامية» وقد طوردت قياداتها على خلفية عملها السرّي لتعقد في شهر أفريل من سنة 1981 مؤتمرها السرّي الثاني في مدينة سوسة حيث قرّرت الخروج من العمل السرّي الى العمل العلني مع تغيير اسمها من الجماعة الاسلامية الى حركة الاتجاه الاسلامي وتقدمت للحصول على تأشيرة للعمل الحزبي العلني إلاّ أنّ دولة بورقيبة رفضت ذلك بقوّة وبعنف طال قياداتها المؤسسة باعتبار أنّ القانون يمنع تأسيس أحزاب على خلفية دينية ثمّ وسنة 1989 وباعتبار الحصار الأمني المضروب على الجماعة ورفض السلطات منحها تأشيرة العمل القانوني تقرّر التقدم بمطلب باسم «حركة النهضة»

الذي قوبل بالرفض أيضا بسبب مرجعيتها الدينية وقد رفضته دولة بن علي رغم امضاء الحركة على الميثاق الوطني الذي أطلقه بن علي لتنظيم العمل السياسي والحزبي على أسس وطنية مشتركة… وبعد هذا الرفض الذي لم تتوقعه الحركة توترت العلاقة بين الطرفين وتحوّلت الى صدامات في الشوارع بل مواجهة كبرى بين انصار الحركة وبوليس بن علي وقد تم اتهام قياداتها بمحاولة الانقلاب على «دولة بن علي» فهرب من هرب واعتقل من اعتقل وغادر راشد الغنوشي البلاد بعد هروبه الى الجزائر ومن ثمّة الى بريطانيا حيث طلب اللجوء السياسي واستقر هناك في منفى «أريكي» بالعاصمة البريطانية الى أن حدث ما حدث في «رواية الثورة» حيث تم اسقاط نظام بن علي سنة 2011 لتفتح الابواب على مصراعيها للاخوان وقد وفدوا على البلد تباعا في تهافت محموم على السلطة وكانت ـ وقتها ـ ملقاة على «العتبات» تنتظر من يلتقطها وقد تسرّب اليها الاخوان بذكاء وأندسّوا كالذئاب «داخل العبارة» وخاصة بعد حصولهم على الاعتراف القانوني كحزب سياسي في شهر مارس من سنة 2011 من حكومة محمد الغنوشي المؤقتة وبعد عودة «عرّابها» في تلك الليلة «الزرقاء» لم تغادر الحركة الحكم بل استحوذت عليه تماما بعدما تمكنت من أول «مفاتيح السلطة» في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي حيث حصلت ـ باسم الله وتحت عنوان «الجماعة التي تخاف ربي» ـ على المرتبة الأغلبية في المجلس وانطلقت من ذاك التاريخ في «ادارة التوحش» الذي امتد على عقد كامل ذاق فيه التونسيون الامرّين…

تبديل الاسماء من «الجماعة الاسلامية» الىالاتجاه الاسلامي الى حركة النهضة كان مرتبطا ـ تاريخيا ـ بأزمات حادّة مع السلطة وهذا يعني أنّ الحركة إنّما ترغم على تبديل «عناوينها» لا بسبب مراجعات نقدية أو لاسباب مبدئية وإنما هو تكتيك واستراتيجيا تحرك لمخادعة المجتمع والدولة والدليل أنها في كل «تلوّناتها» لم تتبدّل بل غيّرت الاسم دون التخلّي عن أدبيات التأسيس ودون القطع مع «الآباء المؤسّسين»… وقد أكدنا في أكثر من مقال وفي أكثر من سياق بأن الاخوان يتبدّلون ولا يتغيرون وقد أشرنا في نصّ سابق أي قبل سقوطهم المدوّي بأيام قليلة بأنهم يبدّلون خطابهم استراتيجيا وتكتيكيا وفق معطيات اللحظة لكنّهم في العمق لا يتغيّرون فهم محكومون بأدبيات مرجعية يتركونها ـ احيانا ـ ويؤجّلون العود اليها لكنهم لا يتلفونها أبدا…. يركبون ظهر الخديعة للمرور الى مقاصدهم حتى وإن كان ذلك على جثث الناس باسم الله والدين احيانا.. وباسم الهوية اذا ما ارادوا اثارة الفتنة داخل مجتمع موحد وباسم الثورة لاحتواء حماسة الثوار وباسم الشعب للايهام بأنهم ابناؤه وباسم الوطن والعلَم كلما تمّ التضييق عليهم اقليميا ودوليا..

لقد جربوا كل هذه العناوين.. نجحوا واستعصوا وأقاموا طويلا في السلطة منذ أطل «البدر» علينا من مطار تونس قرطاج في تلك «الليلة الزرقاء» ركب على اعناق الانصار وأمسك بالسلطة فحوّلها الى «سلطة رعوية» تخلط بوعي بين الدين والسياسة مع اعلاء فكرة «الجماعة الهووية» المتكلمة باسم الله وباسم الهوية الدينية التي تمت على اساسها وتحت يافطتها كل جرائم الاغتيالات السياسية والارهابية والتي تم ارتكابها باسم «الهوية الدينية».
يتبدّلون ولا يتغيّرون ابدا وما يعرضه الاخواني العجمي الوريمي اليوم هو فصل اخر من رواية الخديعة فقوله بان الحركة قد تغير اسمها إنّما هو من باب الاستمرار في استبلاه التونسيين لقد حدث ذلك سابقا وانتقلت من «الجماعة الاسلامية» الى «الاتجاه الاسلامي» وصولا الى «حركة النهضة» … فهل تبدّلت وهل غيّرت من أدبياتها..؟ هل اتلفت نصوصها المؤسسة..؟ هل راجعت وثائقها..؟ هل قطعت مع ادب المؤسّسين الذين تعتبرهم قدوة ومرجعا.
هل تخلت عن «مشروع الخلافة» الذي اعلنه ـ بوضوح ـ الخليفة السادس(حمادي الجبالي) عند توليه رئاسة الحكومة..؟ هل اعتذرت للتونسيين عن كل جرائمها على امتداد عقد من الزمن ما بعد الثورة ؟ هل أعادت ما حصّلته من غنائم السلطة الى التونسيين..؟
لم يعد ممكنا ـ شعبيا ـ القبول بوجود الحركة الاخوانية في المشهد السياسي فلقد عافها الناس بعدما استفاقوا ـ متأخرا ـ على حجم الخديعة.. وكذلك لم تعد لها مقبولية اقليميا ودوليا مثلها مثل كل الكيانات التي تنتظم تحت يافطة الاسلام السياسي…

تحاول «حركة النهضة» اليوم العودة من الأبواب الخلفية لكن بلبوس جديد وبنعومة لا يمكن تصديقها وهي مرغمة على تبديل اسمها واسم مجلس شورى الحركة للتخفيف من الحمولة الدينية وللظهور في لباس مدني «افرنجي» كذاك الذي ظهر به راشد الغنوشي في احدى الحصص التلفزية وكان مجرد خدعة غبية لاغواء الناس بمظهر المدنية…
حركة النهضة اليوم غير قادرة على صنع حالة صدام مع السلطة ولا على المواجهة في الشارع كما كان لها ذلك سابقا باعتبار تقلّص وضمور حاضنتها الشعبية وانفراط عقد المخدوعين من انصارها لذلك هي تقر ـ اليوم ـ بالأمر الواقع وتنحني للريح حتى تمر العاصفة كما يقولون واقرارها بالأمر الواقع يعني القبول والاعتراف الصريح بمنظومة الحكم الحالية وبمسار 25 جويلية الذي كانت تعتبره مسارا انقلابيا وهذا «تكتيك قديم» هرّأته الحركة الاخوانية على امتداد تاريخها ومنذ تأسيسها فكلما تأزّمت وتوترت علاقتها بالسلطة انحنت ـ قليلا أو كثيرا ـ وبعد مرور العاصفة تعاود الظهور في «دوران مرضي» من حول السلطة…
عودة حركة النهضة الى الساحة السياسية أكيدة لكن ليس الآن وقد يكون ذلك بعد جيل أو جيلين أو أكثر لكن الآن صعب الا في حالة واحدة نستبعدها ولا نستغربها وهي أن يكون «مطلب العودة» باسم جديد وبعناوين مدنية جديد بطلب من منظومة الحكم ذاتها والتي كانت لها سابقا علاقات تعاون وودّ…!!

محاولة تغيير اسم «حركة النهضة» وتبديل اسم «مجلس شورى الحركة» التي يروّج له العجمي الوريمي هي شبيهة بكذبة فصل الدعوي عن السياسي التي روّجت لها الحركة في مؤتمرها العاشر وهي ايضا شبيهة «بالكسوة الافرنجية» التي لبسها راشد الغنوشي بعدما خلع الجبّة للايهام بمدنيته وهي ايضا شبيهة بما روّج له المرحوم الباجي قائد السبسي عندما اراد اقناع الأمريكان بأن حركة النهضة قد تحولت الى حزب مدني ديمقراطي…
«أكاذيب» رافقت تاريخ الحركة وقد عافها التونسيون بعدما أكلوا من لحمهم وهو نيء..!
تعيش حركة النهضة اليوم حالة شبيهة «بأرذل العمر» ولا نعتقد أنها وهي على هذا «الوهن» قادرة على العودة الى المشهد السياسي حتى وإن بدّلت لونها ولبوسها فلا عودة ولا سلام ولا حوار ولا تفاهم ولا تسامح ولا سلام ولا كلام مع من أجرم في حقّ البلد وأهله… لقد خرج التونسيون صباح 25 جويلية الى شوارع الغضب لطرد الحركة الاخوانية فأحرقوا مقراتها وكاد الانفجار في وجهها أن يكون عظيما الى ان استجاب الرئيس قيس سعيد لارادة الشعب وشغّل الفصل 80 من الدستور وكان ما كان كما في الرواية المعروفة.

كلام العجمي الوريمي حول تبديل «كسوة الحركة «الاخوانية» يذكرني بالاخواني عماد الحمامي الذي انتقل من حركة النهضة الى مسار 25 جويلية وأعلن انتماءه اليه وهذا ما يسمّى في أدب الخديعة بـ«الذئب في العبارة»… فحذار من هذه الذئاب التي لن تهنأ أبدا ما لم تسترجع «مجدها»…!
ففكوا عن سماء هذا البلد يرحمكم الله..!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

«مجلس أعلى للثقافة».. من أجل إعادة البناء..!

 من أكثر القطاعات التي تحتاج الى «حرب تحرير وتطهير» كبرى، قطاع الثقافة و«ثكنته البيروقراطي…