في الذكرى 38 لتأسيس حزب العمال: أيّ دور لليسار التونسي اليوم؟
تمرّ هذه الأيام الذكرى 38 لتأسيس حزب العمّال (حزب العمال الشيوعي التونسي سابقا) ذات 3 جانفي 1986، وقد أصدر الحزب بيانا مطوّلا بالمناسبة تحت عنوان ا38 عاما من النضال المتماسك من أجل تونس الحرة والعادلةب إلى جانب تنظيم بعض التظاهرات السياسية والثقافية في عدد من الجهات تم فيها توجيه الدعوة إلى عموم التونسيين وأبناء الحزب بطبيعة الحال إلى جانب اأصدقاءب الحزب.
والحديث هنا عن أصدقاء حزب يساري يفرض بالضرورة العودة على موضوع قديم جديد هو موضوع اليسار في تونس، هذا اليسار الذي أعطى الكثير للبلاد لكنه ظل تائها بين مهمّات المعارضة والاحتجاج والتضحية بالغالي والنفيس مقابل إهمال مسألة الوصول ومسك السلطة لترجمة الأحلام الكبيرة في الواقع.
وإذا استثنينا تجارب أواخر الستينات وبداية سبعينات القرن الماضي، يمكن القول أن تجربة حزب العمّال هي التجربة الأهم تنظيميا في العائلة السياسية اليسارية في تاريخ تونس الحديث بعد الحزب الشيوعي الذي أهدر بعض المنتسبين له مائة عام من الوجود، وقد عرف بدوره هزات كبيرة وزاده الصراع مع النظام قبل ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة من حجم المعاناة وتعرّض قادته ومناضلوه إلى الحصار والملاحقات والسجن والتعذيب.
وكما جاء في بيان الحزب، فقد تأسّس قبل أربعة عقود احاملا كل الأبعاد الرمزية والطبقية والسياسية لتاريخ انتفاضة الخبز التي جاءت قبل عامين ولكل تواريخ انتفاضات شعبنا التي أغرقتها الرجعية الحاكمة في الدم وحالت دون تحقيق أهدافها في التحرّر الوطني الكامل والديمقراطية والعدالة الاجتماعيةب.
ويعتبر الحزب أن أوجه الشبه كثيرة بين أوضاع بلادنا اليوم والبارحة كما يقال، ويتوقف عند ما يمكن أن نسمّيه إهدار اثورة 17 ديسمبر 14 جانفيب التي تتعرض الى التصفية النهائية.
وانسجاما مع طبيعة المناسبة استحضر الحزب في بيانه محطات كثيرة من النضالات وتوقّف عند تضحيات مناضليه وأبرز البعد القومي والأممي في مواقفه وانحيازه إلى جانب الشعب الفلسطيني ليخلص إلى المهام الراهنة في معارضة النظام القائم وإسقاط منظومة الحكم التي يوصّفها بالشعبوية وهذه كانت وما تزال أطروحات اليسار بشكل عام فهو لا يتأخر في الكشف عمّا يعتبره وجها قبيحا للحكم مطالبا بتغييره مقدّما التضحيات التي لا حدود لها دون ان يكون هناك تفكير في أفق ما بعد التغيير والتضحية والانتصار الآني الذي تسهل سرقته والركوب عليه كما حصل في جل ملاحم الشعب التونسي.
هي اكراهات الواقع ربما والانغماس في الحراك الاجتماعي والوقوع في فخ الاستنزاف الثوري إن جاز القول الذي يوفر الظروف وينضجها لمن يقطف ثمارها في الحكم من اليمين بكل أطيافه سواء منها المتستّرة بعباءة الدين أو المتشدّقة بالحداثة، أضف إلى ذلك شيئا من صراع الزعامات العبثي وكذلك البقاء في أسر القوالب الكلاسيكية الجاهزة، والوقوع فريسة اليمين الحاكم جراء عقد وأطماع شخصية، والخلط بين التكتيك والاستراتيجيا وغياب أهم شيء في تقديرنا وهو تحديد الهدف، ماذا يريد اليسار ؟ هل يريد الحكم أم يريد البقاء وقودا للاحتجاجات والثورات لتقديم الانتصارات لـاأعداءب الشعب والوطن والدولة؟.
إن من بين المفارقات غياب النقد الذاتي لدى اليسار ومعه غياب النجاح في استخلاص الدروس وتجاوز الهنات والسلبيات وااللطخاتب.
لقد بذل حزب العمال صراحة كثيرا من الجهد في هذا الاتجاه وخاصة في الآونة الأخيرة في علاقة بتقييم تجربة الجبهة الشعبية التي كانت بدورها أهم تجربة وحدوية بين مكونات اليسار بمختلف مشاربه الماركسية والقومية وحققت الكثير لليسار ولتونس لكنها لم تعمّر للكثير من الأسباب التي أشرنا إلى بعضها.
لقد بقي الجرح عميقا نازفا بعد انهيار الجبهة الشعبية في 2019 والنتائج الكارثية لليسار في الانتخابات التشريعية والرئاسية التي جرت آنذاك، وبانفراط العقد حاول البعض تدارك أمره والقيام بالمراجعات الضرورية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه على الأقل على المستوى الذاتي فيما انقض الحكم على بعض مكونات الجبهة واستقطب واستوعب عددا من وجوهها التي لا نعرف حتى الآن ما حققته في الواقع لنفسها أو لكيانها أو لشعبها وحتى الاستحقاقات الانتخابية التي تمت ضمن مشروع البناء القاعدي لرئيس الجمهورية لم نقف لهم على دور أو اغنيمةب فيها..
لقد حرص حزب العمال إلى جانب مكونات أخرى يسارية مثل حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد على ترتيب بيوتها الداخلية فأنجزت مؤتمراتها وواصلت النضال والمراهنة على الحضور الميداني في كل المحطات وفي كل المعارك التي تهم الشعب التونسي ولم تفرّق بين المعارك ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والمعارك السياسية وعلى رأسها معركة الحريات وقد التقت مكونات اليسار مرة أخرى في الشوارع للاحتجاج على ارتفاع الأسعار وعلى استهداف الحريات العامة وإيقاف السياسيين والحقوقيين والصحافيين وكذلك التعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني وإدانة الدول المشاركة في العدوان وعلى رأسها أمريكا وفرنسا والتظاهر أمام سفاراتها وكأنّ قدر اليسار ان يظل منقسما وحاضرا بقوّة ومبدئية في الشارع لكنه لا يدخل مباني الحكم..!
ليس ذلك فحسب، لا يختلف اثنان ذ نظريا على الأقل ذ في أن الأوضاع الراهنة الصعبة والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وطنيا وكذلك القضايا الإنسانية تجد إجاباتها في أطروحات اليسار، ليس في تونس فحسب ولكن في أرجاء المعمورة وقد برهن اليسار في أكثر من مكان في العالم عن جاهزيته وقدرته بل ومباشرته للحكم رغم وجوده في بيئة تقليدية يمينية محافظة ورأسمالية ليبيرالية مناوئة ومناهضة.
التشخيص والتوصيف متّفق عليه : كيف سيتمّ إنقاذ المؤسسات العموميّة؟
أشار وزير النقل رشيد عامري مطلع الأسبوع الجاري بأن برنامج مراجعة شاملة لشركة الخطوط التونس…