تنظر حاليا لجنة التشريع العام في مشروع قانون يتعلق بتنقيح المرسوم عدد 13 لسنة 2022 المؤرخ في 20 مارس 2022 المتعلق بالصلح الجزائي وتوظيف عائداته ( عدد 58 / 2023) قبل تمريره لاحقا إلى الجلسة العامة للمصادقة عليه وذلك بمبادرة من رئيس الجمهورية وردت على مجلس النواب بتاريخ 29 ديسمبر 2024، وفي قراءة أولى لهذا المشروع نلاحظ أن الهدف الأساسي من هذا المشروع المعروض إضفاء نجاعة وفاعلية أكثر على عمل اللجنة الوطنية للصلح الجزائي وتحقيق نتائج ملموسة خاصة بعد تعثّر مسار الصلح الجزائي نتيجة اصطدام اللجنة بعراقيل اجرائية وتنفيذية حالت دون تحقيق الأهداف المنتظرة منها في علاقة بتعبئة موارد مالية إضافية للدولة بطريقة مباشرة عن طريق إجراء الصلح مع الدولة أو عن طريق إحداث مشاريع تنموية في المناطق الداخلية أو تحقيق العدالة الاجتماعية واسترجاع الأموال المنهوبة.

كما يهدف مشروع قانون تنقيح المرسوم عدد 13 لسنة 2022 المؤرخ في 20 مارس 2022 والمتعلق بالصلح الجزائي وتوظيف عائداته وفق ما ورد في شرح الأسباب إلى مزيد حوكمة عمل اللجنة الوطنية للصلح الجزائي وتوضيح آثار الصلح سواء كان وقتيا أو نهائيا والإجراءات القضائية المتعددة كإدراج المشاريع ذات الأهمية والمصلحة الوطنية ضمن المشاريع التي يمكن أن تنتفع بالعائدات المالية للصلح الجزائي. 

ونعتقد أن هذا التمشي من شأنه أن يساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال الدفع نحو الاستثمار في المناطق الداخلية وتوفير مواطن شغل جديدة وتجسيم أهداف الصلح الجزائي على أرض الواقع من خلال توسيع صلاحيات أعضاء اللجنة الوطنية وإعطائها آليات إجرائية أكثر نجاعة.

وفي مقدمة هذه التنقيحات المعروضة في مشروع القانون وعلى سبيل الذكر لا الحصر نجد تدعيم صلاحيات اللجنة الوطنية للصلح الجزائي بأحكام الفصل 23 من خلال التنصيص على إمكانية إجرائها لأعمال استقصائية بالتعاون مع الجهات المعنية سواء كانت قضائية أو إدارية أو مالية كإمكانية طلب معلومات وتحاليل مالية من اللجنة التونسية للتحاليل المالية ومن وحدات التحريات المالية النظيرة بالخارج وهو ما سيسهل عمل اللجنة وحصولها على المعلومات التي تحتاجها في علاقة بالملفات المعروضة عليها وبأكثر دقة ويوفر كثيرا من الوقت لاستكمال كافة أعمالها والبت في مطالب الصلح في آجال معقولة وبطريقة منصفة للدولة وللطرف المعني بعملية الصلح الجزائي.

كما ينص مشروع القانون المعروض على وجوب رفع رئيس اللجنة الوطنية للصلح الجزائي ملف الصلح إلى رئيس الجمهورية الذي يتولى عرضه على مجلس الأمن القومي في إطار تطبيق مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل الأول من الأمر الحكومي عدد 70 لسنة 2017 مؤرخ في 19 جانفي 2017 المتعلق بمجلس الأمن القومي الذي نص على أن المجلس المذكور ينظر في كافة المسائل التي يعرضها عليه رئيس الجمهورية.

والغاية من هذا الإجراء هي التعمق في دراسة مشروع الصلح من كل جوانبه لاتخاذ موقف نهائي محدد يقترب أكثر ما يمكن من حقيقة الأضرار اللاحقة بالدولة والمترتبة عن الجرائم المرتكبة وتقرير تعويض عادل سواء في شكل أداء مبالغ مالية محددة أو مشاريع تنموية أو مشاريع ذات أهمية وطنية.

ومن شأن تغيير الجهة المختصة بتسليم شهادة في ختم إجراءات الصلح الجزائي بإسناد هذا الاختصاص إلى وزير العدل عوضا عن وكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب أن يحقق مزيدا من النجاعة في أخذ القرارات وتنفيذها بالسرعة والدقة المطلوبتين خاصة وأن الإدارة العامة للشؤون الجزائية تمارس اختصاصات الوزير في المادة الجزائية بما يسمح بمتابعة الملفات الواردة والتنسيق بخصوصها مع الوكلاء العامين ووكلاء الجمهورية.

فالهدف والغاية من مشروع قانون تنقيح المرسوم عدد 13 لسنة 2022 المؤرخ في 20 مارس 2022 المتعلق بالصلح الجزائي وتوظيف عائداته (عدد 58 / 2023) هو تسهيل عمل اللجنة الوطنية للصلح الجزائي وتذليل كافة العراقيل والصعوبات التي يمكن ان تعترضها سواء في التتبع أو في التنفيذ والاستقصاء من خلال تدعيم صلاحياتها كما ذكرنا آنفا بأحكام الفصل 23 ( جديد ) بالتنصيص على إمكانية إجرائها لأعمال استقصائية بالتعاون مع مختلف الجهات المعنية من أجل تحقيق الأهداف المنتظرة منها في إطار تعهدها بملفات ومطالب الصلح مع الدولة وتكريس مبادئ العدالة الجزائية التعويضية وتوظيف عائدات الصلح الجزائي لفائدة المجموعة الوطنية على قاعدة العدل والإنصاف.

كما يمكن لهذه التنقيحات الواردة بالمشروع المعروض أن تدفع نحو إضفاء النجاعة على عمل اللجنة الوطنية للصلح الجزائي وتمكّنها من تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع بما يمكّن من دفع التنمية وخلق مواطن الشغل بالمناطق الداخلية وتحقيق العدالة الاجتماعية واسترجاع أموال الدولة المنهوبة.

فمن شأن توسيع صلاحيات اللجنة الوطنية للصلح الجزائي ومزيد ضبط آليات الرقابة والتنفيذ والمتابعة ومختلف المسائل التوضيحية لعملية الصلح شكليا وإجرائيا و مختلف مراحلها وشروطها وتحديد الجهات المختصة أو تلك المرتبطة بإصلاح بعض الأخطاء المادية التي تسربت إلى عدد من الفصول أو تغيير في بعض المصطلحات لكي تتناغم مع دستور25 جويلية 2022 في إطار مشروع القانون المقدم من طرف رئيس الجمهورية أن تساهم  في تدارك التباطؤ الذي رافق عمل اللجنة طيلة الفترة الماضية لأساب تقنية وأخرى إجرائية.

ونرى أن توضيح بعض المسائل الغامضة في علاقة بكيفية تقديم مطالب الصلح مع الدولة والصيغ الواجب اعتمادها سواء كان صلحا نهائيا أو صلحا وقتيا وكيفية تنفيذها وتوظيف عائداتها لفائدة المجموعة الوطنية كما وردت في مشروع تنقيح المرسوم عدد 13 لسنة 2022، يمكّن من إرساء مناخ من الثقة بين الدولة والراغبين في إجراء الصلح خدمة للمصلحة العامة وتحقيق العدالة الاجتماعية في مختلف تمظهراتها ومعاييرها.   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إثر زيارة رئيس الجمهورية لهنشيري الشعّال والنفيضة : الشعب التونسي في حالة صدمة من هول ما رأى من فساد…

كشفت زيارة رئيس الجمهورية قيس سعيّد غير المعلنة  الأخيرة الى كل من هنشير الشعّال بولاية صف…