2024-01-03

في المكتبة السياسية :الدكتور الأزهر الماجري يكشف التابوهات في «جحيم» الجامعة

كثيرة هي الكتب التي رافقتها الزوابع والتوابع كما يقال، خلال سنة 2023 بيد ان كتاب الدكتور الأزهر الماجري يظل أبرزها في تقديرنا وأكثرها وقعا لأنه كتاب مفزع في مستوى عنوانه، ومخيف لدرجة الانتفاضة على مضمونه فهو كتاب يعرّي التابوهات في «جحيم الجامعة.. الأساتذة الباحثون بين الضغط والصمت والانهيار»، وبهذا الشكل يمكن القول انه لا يوجد مجال في تونس أو قطاع خال من الفساد والإفساد على أن هذه المظاهر السلبية لها وقع مضاعف عندما يتعلق الأمر بمنارة للعلم والمعرفة والديمقراطية والحريات الأكاديمية وهي الجامعة التونسية.

الكتاب وهو من الحجم المتوسط، ويحتوي على 199 صفحة، يكتسي أهميته أيضا من تزامن إصداره مع الأوضاع العامة التي تمر بها البلاد والأوضاع الخاصة التي يعرفها ما نسمّيه المصعد الاجتماعي في تونس وهو قطاع التربية والتعليم، والتعليم العالي تحديدا هنا، في وقت كثر فيه الحديث عن الإصلاح وعن استشارة وطنية وعن مجلس أعلى وغيره من الحلول المطروحة للخروج من «الجحيم».

بين السردية الروائية الجميلة والخطيرة صراحة، والكتابة التقنية الأكاديمية نجح المؤلف في الارتقاء بالمضمون والالتزام بالموضوعية والدقة وتخلّص من الذاتيّة بما أن منطلق الكتاب كان معاناة الذات مع مظلمة مكتملة الأركان جرت في فضاء له حرمته وهو الجامعة التونسية.

والمظلمة لم تمس المؤلف فقط وإنما عددا من «الأصدقاء والزملاء» الذين لا ذنب لهم سوى أنهم احترموا النواميس والمقامات والإجراءات والذوات ورفضوا الاتجار و«البيع والشراء» في العلم.!.

تضمّن الكتاب ثلاثة فصول أساسية، يقول الدكتور الأزهر الماجري أنها تصب جميعها في «إشكالية الجامعة كمؤسسة علمية وكحلبة لرهانات متعددة ومختلفة ومتناقضة وكفضاء للصراعات الفكرية والايديولوجية وينتج على هذا الواقع بروز ظواهر عديدة كالشبكات ومراكز النفوذ والبحث عن التموقع والهيمنة» ويضيف أنه «داخل هذا المناخ يسود الضغط ويخيّم الصمت ويكون جزء هام من الأساتذة الباحثين ضحايا ذلك».

والتزاما بالشروط والإكراهات الجامعية كان الفصل الأول نظريا، اهتم فيه المؤلف بالإطار الفكري المساعد على فهم الإشكالية وعاد بنا هنا الى فلسفة الأنوار والقيم الكونية التي جاءت بها وتوقف عند ظهور الجامعة ودورها ثم التحولات التي شهدتها وواقعها اليوم وهي تعيش تحت الضغط العالي ويعيش فيها الأساتذة الجامعيون بين «الضغط والصمت والانهيار».

في الفصل الثاني، قدم لنا الدكتور الماجري حقائق صادمة ونماذج موثّقة بالصورة والصوت من قبل الفاعلين أنفسهم الذين قدّموا شهاداتهم، فصوّر لنا «جحيما» جامعيا بكل تمظهراته وضحاياه وتبعاته وشملت النماذج النساء والرجال، الشبان والكهول، الأساتذة القدامى والجدد على حدّ سواء..

من بين النماذج الصادمة التي وثّقها الكتاب، مرشح له سبعة كتب منشورة يتم إسقاطه وفي المقابل يرتقي إلى رتبة أستاذ تعليم عال من له صفر كتاب منشور ويكشف الكتاب تداخل العلمي والإيديولوجي والاستيلاء على مشاريع البحوث و«الفتك بالضحية».!.

ولم تختلف فظاعة المشهد الذي صوّره لنا الفصل الثالث من الكتاب عن الفصل الثاني، وفيه يكتشف القارئ كيفية احتكار النفوذ داخل الجامعة التونسية وما أسماها المؤلف شبكة المصالح والرهانات التي تحكم عملية الانتداب والارتقاء والتعاقد والحصص والمناظرات وغيره..

هذه الشبكة تسطّر الطريقة وتحدّد الاتجاه بل وتحدّد الولاءات، فكلما كانت شواهد الطاعة مكشوفة وبادية للعيان كانت المكانة معتبرة والمكافأة هامة، والأسوأ من كل ذلك ان الشبكة هي التي تحدّد العلاقات حيث بلغ مستوى الممارسة درجة مسارعة أستاذ بتغيير اتجاه خطواته تقيّة لاجتناب التقاطع مع «زميله» في جحيم الجامعة.!.

إن هذا الكتاب بمثابة صيحة الفزع التي يطلقها المؤلف الذي هو مقتنع بما نحن مقتنعون به لكن الفرق في أنه حوّل محتوى الكتاب الذي نقوله بصمت ووشوشة الى وثيقة إدانة وفضح لواقع يجب ان يتغير قبل فوات الأوان.

الحقيقة الثانية التي يجب ان نصدح بها وأن يسير على هديها بقية الفاعلين في الجامعة التونسية، هي ان هذا الكتاب اقتصر على عينة من الجامعيين في اختصاص التاريخ بالأساس، وهي عيّنة ممثلة ولا نخال ان بقية الاختصاصات العلمية والإنسانية والقانونية تختلف ولو قليلا، فأصداء الجحيم تجاوزت أسوار عموم الجامعة.

أخيرا، يظل السؤال حول دور السلطة ووزارة الإشراف والهياكل والأطر الجامعية وعلى وجه الخصوص الجامعة العامة للتعليم العالي وما تفعله لتخليص الجامعة من جحيمها مع المراهنة بطبيعة الحال على صحوة ضمير من زلّت به الأقدام في رحاب الجامعة فـ«سلك سلوكا يوميا وممارسة عملية على نقيض الخطاب التقدمي التنويري الإنساني وحتى الثوري» وهذه في تقديرنا نقطة البداية في الحديث عن الإصلاح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

بعد عقد ونيف : لا مبرّر لبقاء الأملاك المصادرة على حالها..!

تعرّض رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال لقائه برئيس الحكومة كمال المدوري يوم الخميس الماضي بقصر…